العودة المظفرة للشيخ المجذوب
حضرات السيدات والسادة .. قراء وقارئات .. هذا كتابي إليكم لا أعرف أهو شعر أم نتر ؟ ولا أعرف أهو الذى كتبني أم أنا الذي كتبته .. وهل أنا الكاتب حقا أم المكتوب ؟ وكيف ؟ أعترف أنى لا أعلم شيئا ولكنى أعلم يقينا أن شياطين الشعر أوحت بهذا المكتوب لكاتبه .. فتلقفته عفاريت المجانين ودونته على جبين العاقلين …
الفصل الأول
الشيخ المعلم بين الأسطورة والحقيقة
تضاربت الأقوال . . فمن قائل إنه الشيخ المجذوب عائدا من عهودنا الغابرة .. ومن قائل كلا إنه الاستاذ المهدي عائدا من عهودنا اللامؤرخة بين الحلم والضباب .. بل أن البعض يقول إنه نبي الله الأخضر مستشهدا في ذلك بهؤلاء الذين أكدوا رؤيته في هذا المغرب ..وأولئك الذين صافحوه حاجا بين الصفا والمروة في ذاك المشرق .. وكل هذا في ذات اللحظة وذات الموسم
بل إن أحد مريديه روى أنه حضر لقاء عاصفا بينه وبين خليفة الوعد والعهد .. وأن الشيخ المجذوب صرخ في وجهه : » كيف تريدنى حاجبا في خدمتك وأنا العدالة عزة وصوت الحق صرخة ؟
فيما يقول البعض إنه الفتى زين الويدان .. بينما يؤكد أحد أعلام الصحراء أنه الشيخ ماء العينين مستشهدا في ذلك بالساقية الحمراء فوق كتفيه ..ووادي الذهب يجري بين مفرقيه .. بل أن الراوي روى أنه التقى يوما رجلا صالحا من أهل الجزائر وأن هذا الأخير اقسم له بأنه يعرفه حق المعرفة .. وأنه رافق رجال الثورة صبحا وعشيا .. وأنه هو بالظبط من ينعتونه هناك ب » سيدي عبد القادر يا بواعلام »
فمن يكون هذا الرجل الذي شغل الناس
الجميع يعلم أن الرجل بعد عودته من منفاه أو هجرته السحيقة .. حيث قضى أربعين عاما لم يلبث أن اختفى بين شعاب الأطلس وفجاجه .. وأنه مكث هناك دهرا طويلا لا أحد يعرف كيف يعيش ؟ ومم يقتات ؟ ولكنه فاجأ الجميع نازلا من علياء جبله ذات صباح .. وقد اشتعل رأسه شيبا .. و استرسلت لحيته خصلات متموجة على صدره.. كان ساعتئذ كما بعدئذ .. يضرب الأرض بعكازته .. ويسير بعينين محدقتين في كبد الشمس كأنما يستمد من أشعتها نور حقيقة ما
من يومها أصبح يعرف بالشيخ الأخضر وربما الشيخ المجذوب .. وأحيانا الشيخ البهلول .. كان يمضي بقدم راسخة لكن لا أحد يعرف وجهته .. وإن كان الراوي يعلم يقينا أنه ساعتها وهو يخبط الحجارة والحصى بعكازته كان يمضي مستجليا تفاصيل الجرح وتفاصيل البلاد .. شاقا طريقه بين الصخور والأعشاب ضارة وصالحة