كلا حضرة الأستاذ المهدوي إنهم البرطيزة
يقول الأستاذ المهداوي في هذا الفيديو، بأن الأمير عبد الكريم اشتكى في رسالة موجهة لمسلمي الجزائر، من « جزائريـيـن يـقـتـلون أهل الريف، أشقاء الزفزافي » و يستشهد أيضا بالجنرال خالد نزار، الذي أكد حسب تعبيره، نفس الشيء بالصورة و الصوت
لو كان الجنرال نزار خالد حاضرا، و استمع لهذا، لشهر مسدسه ساخطا، غاضبا، موعدا، مهددا، صارخا : هذا تشويه مـقـيـت لما قـلـته
لكن ماذا عن أمير المجاهدين؟
كأنى بالأمير محمد بن عبد الكريم و هو يستمع لما يقوله المهدوي يتقلب في قبره. و لأن الأمير في رحاب الأبدية، فإنه ينتدب المؤرخ النزيه حتى يتكلم بإسمه. و إذا فهذا حديث الأميرعلى لسان المؤرخ :
« إنى أنتفض بكل الأنفة الجهادية لأقول هذا تشويه للتاريخ و تضليل للرأي العام و فأسا حافيا يريد أن يحفر هوة بين الأمة المغربية و الأمة الجزائرية. كلا و ألف كلا، أشقاؤنا الجزائريون كرجال، هم من أشراف الرجال، و كنساء هن حرائر النساء، و مع هؤلاء و أولئك تجمعنا أواصر الأخوة و التاريخ و الجغرافيا. و أكثر من هذا، تجمعنا معهم أواصر الحلم المغاربي المشترك، و الدين المشترك، و الأفق المستقبلي المشترك
« نعم الرسالة المذكورة رسالتي حقا، لكن يُـراد بها باطل رغم وضوحها، و لو استحضر المُستشهِد بها، الظرفية التاريخية ساعتها، لفهم أني ما كنت أعني الجزائريين بالمطلق، و لكني كنت أعني الجزائريين المنضويين تحت علم الجيش الفرنسي. و هذا يعنى المرتزقة، و هل هناك بلد مستعمَـر لا يعرف مرتزقة ؟ نعم، مرتزقة الجزائر حاربوا ضدنا و هم مسلمون. و لكن كيف نمضي بعيدا و لا نذكر مرتزقة المغرب؟ أو لم يحاربوا ضدنا تحت ألوية الجيش الاستعماري فقتلوا أولادنا و جنودنا و فتكوا بنسائنا ؟ هل أذكر أنهم أبلوا البلاء القذر في خدمة المشروع الاستيطاني الاستعماري؟ هل أذكر بذاك القايد و تلك الزاوية و هذه الطـُّـرُقـيـة، رموزا ساطعة عن الضلوع في الجريمة الارتزاقية؟
هل أذكر أن هؤلاء المرتزقة المغاربة، هم أنفسهم الذين حاربوا بجانب الجيش الفرنسي، و قتلوا إخواننا في الجزائر ورفاقنا في حرب الهند الصينية؟ أو ليس أفـقـيـر السيء الذكر رمزا ملطخا بالدماء الطاهرة جزائرية، مغربية، هند صينية؟ أو ليس فريقا من هؤلاء المرتزقة المغاربة الذين قتلونا في الريف، و قـتـلوا إخوانـنا في الجزائر، هم أنفسهم الذين كانوا رأس الحربة في حرب فرانكو ضد الديمقراطية الإسبانية؟ أو لم يُـلـقـبهـم الإسـبـان ب « فـيلـق الـرعـب »، لجرأتهم الإجـرامـية الـتي لـم تـكـن تعـرف وازعا و لا رادعا؟ أو لم يشكلوا جزءا من الحرس الخاص للجنرال فرانكو بعد انتصاره؟
« يا أهل المغرب! اياكم و إياكم من حرب ضد أشقائكم في الجزائر. إنها إن وقعت، لا قدر الله، فستكون الحرب الأغدر و الأحقر و الأقذر. و ستكون ايذانا لخرابكم و انهيار حضارتكم .. اللهم إنى بلغت! اللهم إنى بلغت
انتهى كلام الأمير الخطابي على لسان المؤرخ الذى يضيف اسـتـكمـالا لـلفـائـدة
« و للتذكير فإن هؤلاء المرتزقة من الجزائريين الذين قتلوا أشقاءهم في الجزائر و في المغرب، هم، أنفسهم المسمون « حركيين ». و هم الذين غداة انتصار الثورة الجزائرية التحقوا بفرنسا هربا من انتقام الأمة الجزائرية. و هم أنفسهم المقيمون حتى اليوم بفرنسا مرفوضون كل الرفض من جزائـر ترفض باشمئزاز أن تكون لهم وطنا
لكن ما القول عن حديث الجنرال خالد نزار؟ أو ليس خطابه يندرج في هذا الإطار؟ إنه عكس ما قيل. لا يؤكد في كلمته صورة و صوتا، أن والده قتل الريفـيـيـن و لكنه يقول بالحرف « هذا ممكن ». مما يعنى أن والده، و لأنه المنضوي يومها تحت لواء الخدمة العسكرية الفرنسية فإن كل شيء والحالة هذه ممكن. لا قـتـل المغاربة و كـفـى، و لكن قـتـل الجزائريين أنفسهم. و لكم بودي القول، ما أحوجنا إلى هذه الشهادة، بهذه الصراحة الجارحة، التي تحمل في طياتها الكثير من الأسى و الكثير من التمزق. تـَـمزق الوعي الوطني الإسلامي المغاربي، تحت ضربات العدو الاستعماري الذي يفرق غـدرا بـيـن الشقـيـق و شـقـيـقه.
و في نفس السياق أقول ما أحوجنا إلى خطاب الحقيقة التاريخية، فهو وحده يَـشفى و يعـفى و يـبـني و يصافح، عكس الخطاب القومي الشوفيني، الذى يقود للحرب و الإفلاس و الإستبداد و الـتـنكـر لروابط الأخوة و الدم
ما كانوا جزائريون و لا مغاربة و لكنهم « البرطيزة »
ابـَّـا ادريس، شيخ جليل من عائلتي شخصيا، تغمده الله برحمته، هذا الرجل الذي كان يبهرني بذاكرته اليقظة و قوة شخصيته المرحة. ذات يوم، و خلال حديث عابر عن الأمير عبد الكريم، فاجأني الرجل بقوله : » نعم، لقد كنت ضمن المجندين في الجيش الفرنسي في الحرب ضد أهل الريف ». و عندما أبديت إستغرابي قال الرجل، لا مدافعا عن نفسه و لكن عن حقيقة تاريخية، إذا جهلها المؤرخ فقد جهل كل شيء : « لم نكن يا ولدي نعرف شيئا عن عبد الكريم و لا عن حربه. و كل ما كنا نعرفه دعاية الجيش الاستعماري الفرنسي الذي أقنعنا يومها بأن عبد الكريم يريد محو الشريعة و الإسلام و إعادة الجاهلية. لذلك فقد أباح زواج الأخت من أخيها و الأب من إبنته و الفتاة من عمها أو خالها. و كان كل هذا يلهب حماسنا دفاعا عن ديننا و لم نعلم إلا بعد حين كيف كنا مُغـررا بنا ».
و عندما سألته ما منزلتكم يومها، هل كنتم جيشا مغربيا أم فرنسيا؟ أجابني الرجل : « لا هذا و لا ذاك كنا نسمي أنفسنا التسمية التي أعطانا الفرنسيون إياها و هي : البرطيزة
و كلمة البرطيزة هذه، هي التي اصطدمت بها خلال دراساتي التاريخية تحت مسمى »les partisans » و »تعني الانصار » فى كتابات روبير مونطان و ميشو بلير و جاك بيرك، و غيرهم ممن اهتموا بالـثـورة الـريـفـيـة
ويحك أستاذ! ما كنت قـرَّاع طبول و لا قـراع خطوب؟
لماذا تـُـقـرع طبول الحرب ضد الأشقاء في هذا الوقت؟ هل الأمر محط صدفة أن المظاهرات تشتعل في بلادنا ضد سوء المآل و تدهـور الحال. فكيف الخروج من عنق الزجاجة؟ كيف و الساحر لم يعد له من أرانب يخرجها من قــُـبعته. فكل الأرانب تحولت قطط شؤم و بؤس؟ أو ليست حربا ضد الجزائر تحويلا للأنظار و صرفا للخواطر و تلهـية لـلأسماع؟ و لم لا والنصر مضمون. فإسرائيل تؤازرنا و معها أسلحة الدمار الشامل. إنها لا تشترط إلا الركوع الشامل أمام جـُـبـن جبروتها.
نعم، إسرائيل بجانبنا تسلحنا لنسحق أشـقائـنا! لكن كيف تـتسرب لحـمانا؟ و هل هناك إلا الصحراء، حصان طروادة، تـنـفذ منها للقلعة العتيدة؟ هل هناك إلا الصحراء قيتارة بين يديها تـنـقـر على أوتارها و هي تحلم بالرباط تحرق الجزائر العاصمة! تم بعد هذا فـلتحرق الرباط الرباط! أو ليست إسرائيل بحاجة لكل هذا الرماد، حتى تدره في هذه الأعين الحالمة بذاك الفجر المغاربي تجلى سرابا؟
يقول حضرة الأستاذ بأننا » أحسن من الجزائر مليار مرة « . من الأفضل من الأحسن ؟ هل نحن في مباراة الحسناوات، تنصيبا للحسناء الأروع و الأجمل أي: « ميس ماروك » الغادة الفاتنة التي ستمثل الأمة في إسرائيل. و التي ما أن تم اكتشاف قطرات من دماء جزائرية بعروقها، حتى اشتعلت البلاد استنكارا و غضبا دوسا عليها و إسقاطا لها من عرش جمالها. أولسنا هنا في عز الانحطاط الحضاري أو ما اصطلح عليه علماء الاجتماع، بالجهل المقدس؟
ما كثر الصدور المنتفخة زهوا تطالب بحقها في وسامها و ريعها، لكن منذ اليوم إن تقدمت النهود الغضة بدورها مطالبة، هي الأخرى بحقها في وسام شموخها، فإنها يجب أن تخضع لامتحان الحامض النـووي، حتى تـؤكد نـقاوة عذرية الدم القـبلي، وصفاء نـتانة الانغلاق العشائري؟
خسارة الكلمة خسران الحضارة
ذات يوم تابعت فيديوهات للأستاذ المهداوي عن تجربته المريرة في السجن. و بقدر ما كانت تغوص في عمق الحداثة الحقوقية المداسة، كانت تنضح تسامحا نبيلا وعفة ترفعت عن غل أو حقد أو مالا أعرف. في إحدى هذه الفيديوهات كانت المُستجوِبة سيدة فاضلة لا تقل إشراقا عن الأستاذ. لا أعرف لماذا أعطتني إنطباعا أنها رفـيـقـة حـياة هذا الرجل. و إذا، فإن الزوج الكريم كان يكـبُـر في أعـيـنـنا أكـثرلـيصبح رمز إشعاع حضاري مُـنـيـر.
كم بودي أن أهمس في أذن الأستاذ المهدوي: « متى كانت اليد المنحنية تصافح أو ترسم؟ ماذا يتبقى من صورة رجل الكلمة إذا خسر الكلمة؟ ماذا يتبقى من إشعاع رجل القلم إن هو خسر الـقـلم؟ ماذا يـتـبقـى من رجل الـثـقـة إذا خسر ثـقـتـنا ؟ متى كنا ساعتها نأذن لآذاننا بالإستماع فأحرى بالإنصات، ؟ متى كان يلهمنا هذا الناي المنبتق من شجونا وقد أضحى عزفه حشرجة في صدورنا؟