مائة يوم من الحرب أم مائة عام من العـُــزلـة
أعـتذر عن إقحام هذه الرواية الخالدة لكَبريال ماركيز في هـذا المسـتـنقـع. لكن أو ليست هذه المقارنة تـُـفصح و تـُـوضح ؟ أو لسنا نعـيش مُـسـلسلان مـتوازيـان. المسلسل الفلسطيني، الذي أفـضى لنهاية » مائة عام من العـُـزلة « . عزلة القضية الفلسطينية. و من جهة أخرى المسلسل الإسرائيلي، الذي أفـضى لعكس ذلك، أي انطلاق مائة عام من العُـزلة الإسرائيلية. فالانسانية الجريحة تحكم بالمنفى على دولة لا تُــقـيـم وزنـا للأخـلاقـيات، تـلـك الـتي فـي غـيابـها تـنـتـصرالـغـرائـز الغـابـويـة
نعم، مائة عـام من العـزلة عـاشهـا الـشعـب الـفـلسطيني مـشردا، مهمشا، منفيا. أو لم يكن اكتشاف الذات في العربات و في المشهد البحري؟ أو ليست الغـيوم « مضت لـتـشردنـي فرمت معاطفها الجبال و دتَّـرتـنـي« . هذا ما يقوله العظيم محمود درويش. مائة عام من التهجـيـر، من التخبط في أوحـال المخيمات. مائة عام من الحلم يرفض بــعـناد صخري أن يموت. مائة عام و الآباء كما الأمهات يُـعـلمون أولادهم و بناتهم كيف ينـقـشـون إسم فلسطين على جـبـينـهـم و أكـبادهـم
و كانت المقاومة في عُـزلتها تـنـتـشل أنـيـابها من بـيـن أسنانها لتصنع منها بـندقـية، تـنـتشل أظافرها من أصابعها لتصنع منها لغـما، تـنـتـشل من أمواج هِـمَّــتها ما تصنع به مَـدًّا يـحـرر مـن عــزلـة أضـحـت زمهـريرا يـُجـمـد الأطراف
و كانت النتيجة، ها هـي القضية الفلسطينية على كل شفة و لسان.هـا هي المظاهرات المليونية تشتعل في كل أرجاء المـعـمور مطالبة بإنهاء المائة عام من العـُـزلة. إنهاء الـتـنكـر لمـأساة شـعـب صامـد. إنـهاء الـعـنجـهـية الاستـعـلائــية الـتـي تــحــتـقــر إنـسـانـيـة الإنـسـان
دلـونى على قائد سياسي يحترم نفسه في الشرق كان أم في الغـرب، في السند كان أم في الهند لا يتحدت اليوم عن ضرورة إنهاء المائة عام من العـزلة. مـما يـعـني بالملموس قيام الدولة الفلسطينية. لا الدولة المسخ. لا الدولة الراعـية تـهـش بـعـصاها عـلى الـقـطـيع، كلا. و لكنها الدولة ذات السيادة كل السيادة. و الـكرامة كـل الـكرامة
وإذا هاهـوالفلسطيني ينهض منذ اليوم من رماد الحرائق. ينهض شهما عـزيـزا ليحتل مكانته تحت شمس الحرية، ليشيد دولته المحلوم بها. الدولة الحصن الحـصـين فـي وجه الأنانـية الاستـيـطانـية الـتي لا تـعـتـرف بـحـق، و لا بعـدل، و لا بحـد، و لا بحُــدود ؟
هذا عن المسلسل الفلسطيني و ماذا عن المسلسل الإسرائيلي ؟ حتى قـبـيـل الحرب الغـزاوية كان الكل لا أقول يخطب وَدَّ إسرائيل، بل يخطب يَـدها، وما أكثر الخـُـطاب، و السعـيد كل السعـيد من ترضى عنه العروس الفاتـنـة و لـو بـغـمـزة وصل. كان ذلك بالأمس القريـب، أما اليوم و قـد دخلت إسرائيل لـيـل الـمنفـى الطـويـل، لـيل المائة عام من العُـزلة، فإنها تـتـذوق ما أطـعـمته لخصومها اللذوذين. و هاهم الخـُـطاب يهربون من السفـيـنة و قـد أشرفـت عـلى الغـرق. ها هي العـروس بلا أصباغ و لا قـفاطـيـن. و ها هي الملامح مُـقـززة. و ها هي الواحة الديمقراطية في الصحراء العربية ليست إلا المحـرقـة لـسُمعـتها، و لشعـب تـم تـهجـيره استـيـلاءا على أرضه و تاريخه و مستـقـبله
في هذه اللحـظة، كم بودنا أن نطرح السؤال على حكام إسرائيل : بعد مائة يوم أو مائة عام من الحرب، بالله ماذا جـنيـتم ؟ نعم، نعم، لقد حـقـقـتم إنـجازان باهران: الإنجاز الأول يتجلى في كونكم جعـلـتم مـن العَــلم الفـلسطيني رمز الصمود و التحدي. و من الكوفـية الفلسطينية حبل مشنـقـة لأحـلامكـم الـتوسُّعـية
الإنجازالثاني، ها أنتم تدشنون دخولكم « مائة عام من العـُـزلة ». و ها أنتم تكتشفون مرارة الهـزيمة و غـُـصص المنفى. و ها أنـتـم تـنـفـرون خِـفـافا و ثِـقالا، يتـقـدمكم نتانياهو و بن اغـفـير و سموتريتش تمضون نحو حائط المبكى، لـطـم خـدود و استـعـطاف للـرب الأعـلى لـعـله يـعـيـد لـكـم و لـو بـضع شــذرات مـما كان أنـعـم به عـليكم
و لشد ما كانت دهـشتكـم و أنـتـم بـيـن الحلم و اليقضة. كنتم ترون نبي الله موسى عليه السلام، و قد انتصب فوق ذاك الحائط المقدس تضيئه هالة نور. ما أن وقـفـتم و سكن هائجكم و مائجكم حتى انطلق صوته كالـرعـد قـعـقـعـة : » و يحكم، ماذا فعـلـتم بـوصاياي العـشر؟« . أو لم أقـل : » لا تقـتلوا، لا تسرقوا، لا تـفـسـدوا ؟ أو لم يبعــثـني الله فيكم نبيا، لأبـَـلغـكم البشرى، بُــشـرى اصطفائكم من بين العالمين. رُسـل حضارة و أخوة و محبة. كل المحبة للبشرية ؟ فيالله، كيف أخلفتم الوعـد و دستم العـهـد ؟ كـيف رحـتم تعـبدون الـعـجـل ثانية ؟ و يحكم، إن أردتم التـكـفـيـرعـن خـطاياكم، و يا لهول خطاياكم فانطـلقـوا منذ اليوم لتوقـيع وثـيـقـة السلام المقـدسة مع أشقائكم الفلسطينين. و يحكم، كيف تعـتبرونهم أعـداءكم و مستـقبلكم بين أياديهم ؟ إياكم و الحق أقول لكم، الويل كل الويل لكم، إن أخلفتم من جديد ذاك الوعـد، أو نقضتم هذا العهد، ساعتها ستأخذكم الصاعـقـة و إن لا فـغـضـب اللـه سـيلاحـقـكم تــشـتـيـتا و بـؤسا إلى يـوم الـدين و بـئس المصير
و في تلك اللحظة، و نبي الله موسى يُـنهى خطابه. في تـلـك اللحظة، و هو يمتطى سحابات النور. في تلك اللحظة، كان نتانياهو و بن اغـفـير و سموتريتش يصرخون : « و يحكم إن موسى نـبـيـكم هذا ليس إلا المُـشعـوذ الدجـال « ! لكن الجموع الهادرة و هي الراكعة خـُشوعـا. كانت تــُـخرج أقلامها لتوقـيع الوثية المـقـدسة مع الشـقـيـق الـفـلسطيني و إنهاء حرب الألف عام من العُـزلة و الدمار و الخراب و الفساد في الأرض