السنوار يغـزو الأمم المتحدة
كنا نتابع باهتمام بالغ ما يجرى بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة. و عندما أخذ الكلمة سفير إسرائيل، كنا نستمع كما لو على رؤوسنا ألف قـُـنبلة. كنا نريد أن نعرف ما يـقـوله الرجل الذي سبق أن رأيناه في نفس المجلس و قد رقـَّــع النجمة السداسية على يـاقـة معطفه تذكيرا بالإضطهاد النازي ! و كـنا نتساءل يومها ما عـلاقـة ذاك بهذا ؟ هل المحرقـة النازية القـذرة تـُـستعـمـل تبريرا للمحرقة الإسرائلية الغزاوية ؟
المهم، نفس الرجل أخذ الكلمة. و ما أكثر الرجال يأخذون الكلمة الصادقة، فنستمع لهم بكل إجلال. لكن، ماذا عن رجال لا يأخذون الكلمة بل تأخذهم الكلمة الكذابة فتركبهم مطـية في خدمة غرائزها. و هذا الرجل ينتمي لهذا الصنف. لذلك و هو يرى الإستنكار في أعـيـُـن الحاضرين لم يجد مناصا من اللجوء للقطة ستدخل تاريخ الأمم المتحدة. كان يـُـخرج من ملفاته لافتة عليها صورة رجل إسمه يحيى السنوار. إسما و هاتفا و كان يعـني أنه الإرهابي الأكبر. و كان الجميع يكـتم أنـفـاسه دهـشة. فـلم يـحـدث في تاريخ هذا المجلس الموقر أن إقـتحمه قـائـد إرهـابـي صورة و إسـمـا. نـعـم، لـم يـحـصـل لـقـائـد مـن هـذا الـصنـف أن حـضـي بإشهـار كـوْنـي و بـمـباركـة مـن ألـذ أعـدائه واضعا أياه فـي قـلـب الإشكـاليـة الـشرعـيـة الأمـمـيـة
و إذا، و في لحـظـة مـدهـشة كان السحر ينقلب على الساحر. و كان السفير الإسرائيلي مشدوها يتأمل و معه كل العالم… كانـت الصورة تغادر قـفـص اللافـتـة و تفتح نافذة تطل على أطفال غـزة و دخان المجازر. و كان العالم يـرى هذا السنوار يـقـتحـم مـقـر الجمعية العامة للأمم المتحدة. كـُـنا نـتـخـيلـه يتقدم بخطى واثقـة يحـمـل عَـلـما و يـمـد يـدا مـصافحة و يقول « أنا هنا و هنا أنا. لأقول لكم أنتم الذين تـتـباكـون على السلام، ما قيمة غـُـصن الزيتون بلا بـنـدقـية الـعـدالة ؟ من يحمي حمامة السلام من السهم المسموم، سهم الغـدر ؟ من يـحـمي الطـفـولة البريئة من أنياب الحية الـرقـطاء ؟ ويحكم، متى تـُـصوبون أصابع الاتهام و الغضب للجزار السفاك. إني أطالب بالحماية لشعبي و لمقدساتي و الـتـنديـد بالـجلاد و المتواطـئ مع الـجـلاد
و في لحظة تحولت كل الأنظار عبر العالم نحو هذا اليحيى السنوار. من يكون؟ و تحركت محركات البحت الإلكتروني. و منذ الغد دُبـجـت المقالات في أهم الصحف العالمية: لومند أو وول ستريت جورنال أو لبراسيون جميعها وصلت لنفس الخلاصة. هذا الرجل شخصية استثنائية بامتياز. لقد قضى اثنين وعـشريـن عـاما فـي السجون الإسرائيلية و هناك تعلم اللغة العـبرية و هناك درس النفسية الإسرائيلية و هناك اطلع على أهم الأعمال الثقافية و التاريخية. و يقول الذي حـقــق معه ميخا كوبي للفنانشل التايمز: » إنه ذو شخصية استثنائية. له مزايا لا تـُـنكر و ثقافة واسعة و فضلا عن هذا فهو رجل مؤمن و متدين. خلال التحقيق معه كان ينظر إلي باستعلاء حد أنه كان يعـطـيـني رغـبة فـي صفعـه و لكني ما كنت لأتـجـرأ. فالرجل يملك شخصية كارزمائية تفرض الاحترام«
هنا السؤال الكبير : إذا كان السنوار قد درس النفسية الإسرائيلية و تعلم اللغة العـبرية مما أهـله للقـيادة و التحدى و من تم جندلة الخصم، فكيف لم تفعل الدولة الإسرائيلية نفس الشيء فـتـغـوص دراسة و بحـتا و تـقـصيا فـي الـنفـسية الفـلسطينية عربية إسلامية مسيحية ؟ قد يقول قائل إنها تـفـعـل. و نجيب : » ما أهول الفرق ! فإذا كان السنوار يدرس نفسية و تاريخ الإنسان اليهودي، فإن اسرائيل كانت تدرس نفسية و تاريخ العـرب لا كما هم و لكن كما تحلم أن يكونوا أي مـجـرد قـردة و أقـزام
لقد قال بن غوريون يوما » إني مستعـد أن أتعلم كل لغات الأرض إلا اللغة العربية ! « . و لكم بودنا أن نسأل : » ما هو الذنب الذي ارتكبته في حقه العربية و أهلها و هو الخارج يومها من التطهير العرقي النازي الألـمانـي، و من البوغروم أو مذابح اوروبا الشرقية، و إن لا فالصَّـلب حرقا بمحاكم الـتـفـتـيـش الإسبانية ؟
أعترف لكم هناك سؤال حيرني طويلا : ما سر هذا الاحـتـقـار الـذي يكـنه أهل إسرائيل للعرب خاصة و المسلم عامة. أو لم نر وزير الدفـاع الإسـرائيـلي يـتحدث عـن حـيوانات بشرية ؟ أو لم نر محللا بارزا في القناة الإسرائيلية يتحدث عن كيفية القضاء على فـئـران الأنـفـاق ؟ أو لم نر أحدهم الآخر يقول أن واجب الجيش الإسرائيلي أن يمنع الفلسطينيين من رفع رؤوسهم، فهم خلقوا ليزحفوا كَـكـل الدواب ؟ أو لم تصرح وزيرة إسرائلية بأن أبناء الفلسطينين ليسوا إلا ثعابين في جلد أطفال؟ أو لم يصرح بـيغـيـن بأن الفلسطيـنيـيـن مجرد صراصير ؟ أو لم نر نافتالي بينيت يقول نعم، لقد قتلت الكثير من العرب و كل هذا بفخر و عفوية كما لو كان يتكلم عن مجرد حشرات. و لعل هذه البطولة هي التي جعلته يرتقي السلالم ليصبح وزيرا أولا لا يشق له غبار
إحتقار إنسانية الإنسان هو الذي جعل إسرائيل تخسر حربها العسكرية. فهل من جيش يستعد لحرب ضد من لا يملكون لا إرادة الإنسان ولا ذكاء الإنسان ؟ ماذا ننتظر إذا من حيوانات بشرية إلا قطع رؤوس الأطفال و اغتصاب النساء وشـَـيَّ الرُّضع في الأفـران و فـتح البطون الحبلى لإخراج الأجـنـة و تمزيقهـا ! ونحن نسمع هذا كنا نـصرخ بـكل السعار في صدورنا : يا للـفـظاعات المفبركة و الأكاذيب المخدومة يالها من دعاية حقيرة و ها هي صحيفة ليبراسيون تستخلص : هذه القذارات موجودة فقط في رؤوس أصحابها. و تواترت الشهادات في نيويورك التايمز لتقول كل هذا محض إفتراءات رخيصة. وجاءت شهادات الأسيرات يؤكدن أن السنوار تقدم لهن مصافحا ومتحدتا بعـبرية فصيحة ليقول لهن » أنتن هنا ضيوفنا ولن يلحقكم أذى« .
و توالى تـفـنـيد الأباطـيـل. فـقـد كـشف تحـقـيق أجرته يديعـوت و استعادته الهيرالد تريبيون ليقول أن طائرة مروحية قصفت مواطنيها و خربت البيوت على رؤوس أصحابها في السابع من أكتوبر، و الدليل هذه الجثث المـفـحمـة لـفـلسطينين. وجاءت آعترافات الوزير الإسرائيلي الأسبق يهود باراك الذي إعترف أمام قناة اسي آن آن بأن الملاجئ و الأنـفـاق تـحـت مـستـشـفـى الـشـفاء لم تـكـن مـن صنـع حـماس ذروعا بـشرية بـل هـي مـن تـشـيـيـد الجـيش الإسـرائيلي عندما كان يحتل القطاع.
و تناقلت الصحف العالمية خبرا يقول بأن مقاتلي حماس و هم يقومون بهجومهم ليلة السابع من أكتوبر لم يفعلوا لغرض قـتـل اليهود كما تم الترويج له. كلا، وألف كلا، لقد كانوا يفعلون لهدف خطف رهائن و استعمالهم أداة مقايضة لتحرير رفاقهم الذين يفوق عددهم الثمانية آلاف. أو ليسوا بدورهم مُخـتـطـفـيـن ؟ و كيف لا، و هم في أغلبهم بلا أدنى تهمة و لا أدنى محاكمة ؟
و كانت الدعاية الإحتقارية تلطخ الوجه الإسرائيلي بأكاذيبها. و كانت المقاومة تقدم الوقائع عارية بلا مساحـيـق. و كان العالم يكتشف سيدة مُـسنة تـتحدث عن معاملة كريمة و كنا نكتشف تلك الفتاة الإسرائيلية المُـحـررة باسـمة تـحـمـل كـلبها الصغـيـر. فتساءلنا : هل هذه الفتاة المشرقة كانت حـقـا في الأسرأم كانت في نزهة مدرسية ؟
و كانت ملامح الحقيقة تـُجهز على الملامح المـتسخـة بـسـيـل إجـرامها
من ينكر أن هذه الطاقة الإحـتـقـارية هـي التي جعلت الإسرائيليين يخسرون صورتهم و معها حربهم الإعلامية و العسكرية. كل التقارير قـبـيـل هجوم المقاومة كانت تصب في نفس الاتجاه : هناك شيء ما يُـدبر. هناك عملية ما تـُـحضر. لكن المسؤولين الإسرائليين كانوا يـطـلـقـون ضـحكة سـخـرية : كـيف لـهذه الـضـفـادع أن تـقـوم بـعـملية ما ضد الـجـيش الذي لا يـقـهـر و ضد الـشعـب الـمخـتـار الـذى تـبـرع الله عـليه بـالأرض الـموعـودة مـن الـنـيـل إلـى الـفـرات؟
ختاما، عـكـس ما يعـتقـده الاحتلال، فالسنوار ليس إلا إبن إمرأة تأكل الـقـديد كما قال خاتم الأنبياء في حديث عن شخصه الشريف. السنوار مجرد رجل يسطر كلمة أمته. يرفع بُـنـدقـيـته و يمضي. إنه قطعا ليس روح المقاومة، فهذه روح غـزاوية فلسطينية. السنوار قـد يسقـط يوما تحت ضربة الجلاد، ليصبح نجمة مضيئة و ملهمة لشعبه وللإنسانية جمعاء. لكن الذى لا يسقط تحت ضربة الجلاد، لهو الشعب الفلسطيني و بجانبه الإنسان العربـي و جموع الإنسانية المـنتـفـضة عـبر العالم، في مظاهرات صاخبة، تنديدا بجنون الغـرور و الغـطرسة تجـلـت جـُـبـن طائرات و فـحيـح دبابات و حـقـارة جـرافات تـدفـن الأطفال و النساء أحياء جنبا لجنب مع الـمقابر و الـشجـر و الـحـجـر و كـل ما يـحـمـل سـمـة الـطـفـولة الـبريـئة أو ملامح السلام الآمـن.