رسالة لجندي إسرائيلي
هل هي الحرب تضع أوزارها ؟ هل هي حمائم السلام تعود لأوكارها ؟ هل هـي أخيرا طائرات العار تـتـوقـف عـن عـربدتها باصـقـة قـذارات جُـبنهـا ؟ ..
لا أعلم شيئا و لكنى أعلم أنها تسمى « هدنة ». و أنتم تسمونها مُهـلة أو نـزهة و بعـدها تصدحون كما أبواقـكـم باستئناف اللعـبة الدمويـة. و كيف لا؟ و أنتم السُـكارى بخـُمرة أحقادكم المنبعـثة من كهوف التاريخ المُـفـبرك. فـتـقـدموا سحقا و نسفا و فـتـكا. و متى كان هذا » الصرار » كما سماه أحد قـادتـكم يـتجرأ، فـلا يـرفع راية استـسلامه راكـعـا خـاشعـا أمـام صـولة جـبروتـكم
تقدموا يا أهل الهول. تـقـدموا بأقـدام حديدية و قلوب فولاذية. ذاك طفل، نعم، نعم، إنه مجرد صبي يحلم بالمدرسة و ثياب العــيد، لكنكم تقولون كلا إنه مقاتل الغـد و أن الدمعة المنسكبة من عـينه اليوم، هي التي تـورق منذ الغـد أشواكا فـي حلوقـكم، و فـي جنوبكم و أنتم فـي دفء أسرتكم… و إذا فـلـيُـنـسـف بلا رحمة
تقدموا. فهناك طـفـلة تلعـب بالعـرائس. ما تراكم فاعلون إلا تمزيقها بلا وجـل، ذلك أنها المرأة مستقبل تـلـك الأمة. فـهـي غـدا طـبـيـبة عـاليـة الأخــلاق، تـُـضـمـد جراح شعـبها. وإن لا، فهي أسـتـاذة مـؤرخة تـعـيـد رسم ملامح وطـن يـرفـض الانـدثـار
أطفال خـدج أم عـنـقـود عـنـب حصرم ؟
تقدموا يا أهل الهول. إنتبهوا.. تلك ليست إلا سـيـدة تحضر الطعام لأولادها. لكنكم تقولون إنها ليست مجرد إمرأة ! إنها البطن الأخصب! فـلـنـنسفـها !. إنها تنجب عـشـرات الصناديـد ممن يقسمون بأغلظ أيمانهم، أنهم نذروا أنفسهم لتشييد صرح الكرامة ودس الألغام في بنية الأكاذيب المؤسسة لدولة فـقـر مـخيالكـم
تقدموا. إنتبهوا، فليس هناك بتـلـك الـحُـجـرة بـهـذا الـمستشفـى إلا مجموعة أطفال رُضَّـع ينتـظرون الحليب و لمسة حـنان من أمهات تئن تحت تـراب و ركام . لكنكم تصرخون: كلا، إنهم عـنقـود عـنب حصرم ! فـلنفجره حتى تكون هذه الأشلاء الـغـضة شـرابـا مـستساغـا لـقـنابـل وقـودها هـذه الـفـواكه الـمرة
تقدموا. يا أسياد الجهالة الجهلاء.. إنتبهوا فهناك شيخ مُـسـن. لا تـقـولـوا إنه شـيخ مُـسالـم يـستمـتع باشعة الشمس ليدفئ عـظامه ! كلا، كيف لا تعلمون و أنتم الذين محوتم الآثار، حرقـتم المكتبات، ردمتم الآبار، إقـتـلعـتم الأشجار كيـف لا تعلمون أن هذا الرجل العجوز، مكتبة أخرى تضم بين رفوفها كل الذكريات. إنه في لقاءاته مع الشباب لا يحكي ويلات النكبة و جرائمها و كفى، و لكنه يخرج من تلافـيـف جلبابـه مـفـتاحا لا يدركه الصدأ. لأنه يـنـفـخ فـيه يـوميا من عـنفـوان أنفاسه ما يجعـلـه بَـراقـا مُـلهـما عـبر الأجـيال. إنه يـقـول للشباب : » هذه أمانتي، إنه مفتاح بـيتـنا و مـفـتـاح ذاكـرتـنا. إنه المضمخ برائحة أمِّـنـا و زيتوننا. إنه مواويل أهازيـجـنا. إياكم ان تـُـضيعـوه. إنه الأمانة كل الأمانة بين أياديكم. و يحكم، لا عـزة لشعـب لا يحـفـظ الأمانة. ويحكم، لا عـزة لشـعـب لا يحـفـظ اشعـار الـحـرية. لا عـزة لشعـب ينسى أو يتناسى ما جاء في الوصية المقدسة، تلك التي ترسم ملامح الأرض المسلوبة، و تعاريـج الهـويـة المُـغـتصبة. »
الوفاء للأرض و مكارم الأخلاق
تقدموا يا عشاق الخرائب و الأطلال و اسدلوا ظلام ليلكم العنصري المقيت حتى تميزوا جيدا بين دمكم الصافي النقي و الدم العربي المتسخ الملوث
تقدموا. ذلك مسجد فـدُكـوه… و تلك كنيسة فخربوها… ففي ذلك المسجد يُـرفع الآذان.. و في تلك الكنيسة تـُـقـرع الأجراس.. و كل هذا تمجيدا لاسم الله … الله، الذي هجرنا اللات و المناة و الأصنام الأخرى، لندخل في دينه أفواجا أفواجا، لأنه جل جلاله ألهمنا حب الحياة.. و حب الإنسان.. و الوفاء للأرض، و مكارم الأخلاق
هذا هو الله الذي لا نركع إلا لجلال هـيـبتـه. هذا الله، عـدوكم لأنه الحق. و انتم تكرهون الحق. لأنه يعـنى حقوقا سلبتموها، و أرضا سطوتم عليها
تقدموا. يا أهل الزلازل و القـنابل. لكن، إنتبهوا! فتلك شجرة زيتون تعترض طريقكم، إنسفوها ! و لاحـقـوها بألغـامـكـم، جذرا جذرا. فنواة واحدة إن سلمت من بطشكم، سـتـتحـول مع الربـيع القادم غابات زيـتـون تـعـيد للأرض ملامح الأرض، و للوطن الـمـدفـون ملامح الوطن الناهـض من مخيماته و منافـيـه
تـقـدموا يا أبـطـال التجويع و التعـطـيـش و لا تـنسوا أن جـلادكـم الـنازي بالأمس كان جـبارا في خِـسـته. إياكم فخلاصكم من عـقـدة الضحية يـقـتـضى أن تـكونوا أكبر منه جبروتا و أعـتى صلابة. وعليكم، و أنتم تحتـلون الـبقـعـة النابضة في أرض العـروبة أن تستحضروا ما قـاله شاعـرهـم الجاهلي : « و نجهل فوق جهل الجاهلين « . إنه نفسه الذي قال : » و نحن متى بلغ الفـطام لـنا صبـي تخـر له الجـبـابـر ساجدين « . و إذا فأمام أطفالكم المفـطومـيـن تـخـر العـمالـقـة ساجـدة. و إذا كان هذا شأن العـمالـقـة فـماذا عـن هـؤلاء العـُـربان الذيــن ليسـوا إلا أعـجـاز نـخـل خـاويـة ؟
نسور السماء قصب مرتعـش فـي الأرض ؟
تقدموا. يا فرسان الموت و العدم. العالم طوع بنانكم. أو لستم تملكون خاتم سليمان ؟ الجن في خدمتكم و الإنس عـبيـد متملقون لـكـم. أو لستم في رمشة عـيـن تـنسفـون مسـتشفـى عـلى رؤوس مـرضاه و جـُـرحـاه .. ؟ مـن يـسـتـطـيـع تــحـقـيـق هــذا الإنـجـاز الـباهــر؟ يا للـبـطـولة ! إنـكـم تـستحـقـون أن يُـدون الـتاريخ أسـمائكـم بـمـاء الـذهـب عـلى جـبـيـنـه الأغــر
و أخيرا رأيناكم تنزلون من خلف طائرات البرق و الرعـد. رأيناكم تدخلون المعركة البرية حيت لا أزرار و لا طائرات تــُـبصق سمومها و تـتحـصنـون فى عـلياء أجوائها. لكن يا للدهشة.. ماذا جرى..؟ رأيناكم و أنتم نسور السماء تتحولون بقدرة قادر قـصـب الأرض المرتـعـش.. ترتـعـدون.. تـتـراجعـون .. تـتساقطون ! فكيف ؟ و أنتم المدججون بأحدث آلات الدمار؟ كيف، و خصمكم المحاصر الـعــريان لا يــملـك و لا كـأس مـاء ؟ و لا مُـضغـة هواء ؟ و لا جُـرعة دواء؟ و مع ذلك يسومكم سوء الهوان
بالله، متى تعلمون أن البندقية العارية إلا من بارود الحق، جديرة بحرق كل آلات الباطل و أصنامه، و مع هذا عـُـنجهيات القتل وأزلامه ! ؟ بندقية النخوة هذه ، هي التي عـرَّتكم. و ها أنتم تكتشفون قاماتكم. و ها نـحـن نكـتـشف ما كنا نعرفه عنكم. لا تحسنون السـلـم و لا التواصل و لا الحرب. فكيف لا تجُـرون اليوم أذيال العار و الهزيمة ! ها أنتم و أنفكم مُـمـرغ فـي التراب. تــُـسلمون رغم أنـفـكم مـفـتاح الأسطورة لخصومكم … ها هم يعـرضون عـنكـم. فهم لا يريدون لا الأسطورة و لا مفتاح الأسطورة. كلا، إنهم يريدون مفاتـيـح بـيـوتهـم الـتي سـطـوتم عليها. إنهم يريدون إحـقـاق الحـق. يريدون محاكمة عادلة بـقـضاة عـادلـيـن.. يـريـدون وطـنا مُـنـتـشلا من كل هذا النـزيـف، من كـل هـذه المـقابـر، لكل هؤلاء الشهداء الذين لا يصرخون بالانـتـقـام و لكـن يسـتـنطـقـونكم بسؤال يـصـُـم الآذان : » بأي ذنـب قـتـلـتمـونـا و شـردتم أهـلـنا ؟ بـأي ذنـب مزقـتـم أوصال وطـنـنـا و أطـراف بـيـوتـنا ؟ بأي حق بصقـتـم عـلى قـبور أسلافـنا و على مصاحفنا في منابر مساجدنا ؟ بأي حق قـتلـتـم كبار أدبائنا و كبار قـادتـنا ؟ بأي حق أطـعـمـتـم الدبابات عـُـيون أولادنـا و بـناتـنـا ؟ بأي حـق تـبولـتـم عـلى تعـالـيـم التسامح و الأخاء في تـُـراتـكم فـأعـدمـتم بـلا رحـمة إنـسـانـيـة الإنسان فـيكـم… ؟