اعتداء على مستشفى، أم على المقدس؟
ما عساي أقول أمام أهوال هذا الخراب. خراب مستشفى الشفاء ؟ و هل القول يُـجدي ؟ ما أوسع الألم، ما أضيق العـبارة ! كيف إذا، لا تتعـطل لغة الكلام و لغة الـقـلم؟ هـذه اللغة بمحاسنها، ببلاغـتها و صروف أفعال دهرها. ما جـدواها و هـي لا تحسن مـسح دمعـة مـن عـين طـفلة فـقـدت أصابعها، إخوة و أبا و أمَّا و عـمَّة و خالا و عـمًّا ؟
ماذا يتبقى من لغة لم تعـد في هذا الليل البهيمي، إلا قـيـتارة خـجْـلى من العـزف على أوتار هذا الأنـيـن لأم ثـكـلى تـتـأوه تـحـت الأنـقـاض ؟ ماذا يتبقى من إنسانية الإنسان و قد مد يدا للجريمة مُراقصا إياها ثملا، سكرانا بخمرة الغطرسة و الوقاحة ؟ فبالله، من يوقـف هذا الرقص الخسيس بين البوم و الخرائب؟ و هذا الرصاص مـُـزغـردا و هذه الطيور الفولادية تـبصـق عـار فـاحشتها سُـما يُـقـطـع الأوصال و يـفـقـأ الـعـيـون؟
ياالله، كم جـُثـة طفل تـلزمهم لبناء مُستوطنة تعريهم ؟ كـم ساق لـكم رضيع؟ كم ذراع لكم إمرأة ؟ كم عمود فـقـري، لكم شهيد يلزمهم حتى يصنعـوا من كل ذلك ركائـزا لدولة العنصرية و إرم ذات العـماد الـمشيـدة عـلى حـق العــباد ؟
ها هم الجنود الأشاوس، يخرجون من كهوف أحقادهم. ها هم عُـمـي، صُـم، بُـكم، يُـصوبون غرائز فـوهاتهم. لا يميزون بشرا من حجر و لا شجر. يهـتدون فـقـط بحاسة الـحقـد. فـكـل ما يـتـنـفـس الحياة مـضغـة بـيـن أنـياب الموت الزؤام
الاعتداء على المقدس
أو ليس الاعتداء على مستشفى، إعتداء على المقدس؟ فكيف لا، و هناك أرواح تـتـشافـى و أجـساد تـتعـافـى ؟ كـم طاقـة خـسة تـتوفـر للاعـتداء على هذا البيت الحرام ؟ كم طاقة حـقارة تلزم للإجهاز على طـبيـب ؟ كيف، و هو المؤتمن على أرواح الناس؟ أو ليس الطبيب المتطوع تعـبـيـرا عن أخلاق فاضلة و روح تـفـان و تـرفـع عن الصغارات ؟ طبعا، الله وحده يـُشفـي، أو ليس القائل: « إذا مرضت فـهـو يـشفـيـني ». و إذا، فـالله جـل جلاله مـنـح الطبيبة والـطـبـيـب شـرف الـتـفـويـض بـالإشـفـاء ؟
أو ليس هذا، في كل الديانات إسلامية أم مسيحية أم يهودية ؟ فـكيـف تـنكر هـؤلاء الجنود لتعاليم دينهم و وصايا أنـبــيائهـم ؟ و خصوصا عـطاءات مُفـكـريـهم، الـذين شقـوا لـلإنسانية طريق النور
فكيف اخترع الظلام، كل هذا الظلام ؟
كيف يُـعـتـدى عـلى طـبـيـب متطوع نـذر نـفـسه لخدمة المنكوبين ؟ كيف، و هـو الأعـزل إلا من جـهـاز الـتـصنـت عـلى صدره يستمع به دقات الـقـلوب الـمتعـبة ؟ فكيف نفسر هذا ؟
الطبيب المتطوع عاطفة كرم. رمز محبة. نعم، هـذه قـيـم مـزعجة. لإنها لحمة التضامن الاجتماعى و تأكيد لأواصر الإيثار و المقاومة في مجتمع يقصف، ينسف، يخرب، يدمر.هذه قيم تحد حضاري و معـين أخلاقـي. أي، النـقـيـض المطـلـق مع غــرائـز الـغـاب؟ لذلك وجب سحقها
بالأمس القريب، صفـقـنا للـتطـبـيـع و قـلنا إسرائيل معـنا خـيـر من إسرائيل ضدنا ! و ها هي إسرائيل اليوم في حربها المتسخة، تـجـعـلـنا نـتـقـيـأ من مصافحة يـدها الـغـارقـة في دم أهلنا و أبـنـائـنا و بـنـاتـنـا ؟ كيف نصافحها و هي المتمرغة في بركة دمائـنا، مسلحة بوقـاحة الجـريمة و غـطرسة احـتـقـارنا ؟
و إلا فـليجـيـبـوني عن سؤالي هذا، حرقة في الأحشاء : أي حساب يصفونه مع المستشفى و المدرسة و المسجد و الكنيسة ؟ نـعـم، نـعـرف الجـواب : المستشفى، ليس إلا ذاك السرير حيت المعالجة و استعادة العـافـية و العودة للحياة الإنـتاجية جـهـدا وعـرقا شـريـفـا. وهـذا ما لا تحتمله قـوى البغـي، فـمكارم الأخلاق شـتـيمة لخوضها فـي مذابحها
و ماذا عن المدرسة ؟ هناك تـتـعـلم الناشئة أبجدية الحرف و روابط التاريخ مع هوية مداسة و أرض مسلوبة. و هذا يفجر سعار الاحتلال. لذلك، وجب نسف المدرسة، مـعـنى و مـبـنى. أي، معلما و إدارة و طفولة و مستقبلا
و ماذا عن المسجد ؟ أو ليس إلا خشوعا و ركوعا ؟ كلا، هناك يذكر إسم الله الذي علمنا أنه العزيز الجبار. و إذا، فهذا يلهمنا أن نكون عباد الله الأعـزة. عباد الله الجبارين في وجه الخزي. إنه الله الذي علمنا أن العزة لله و لرسوله والمؤمنين. و هذا يُـشعـل السـعـار فـي أعـْـصاب المستـعـمر
الشـعـب الـعـزيز الكـريم، هـو الشـعـب الأنـوف الـذي لايُـداس ؟ و إذا فهذا المسجد مصدر الشرور. لذلك، وجب نسفه بإمامه و مصاحفه و مُـصليه و محرابه و مؤذنه و مـئذنـتـه. أي، كل هذه الرموز التي ليست إلا معالم هُـوية و جـذور ذاكـرة تـلهـم الـصمـود و الـتصـدي
و إذا، هنيئا لكم أيها الجنود الأبطال. لقد نسفتم كل مقومات الحياة ! لكن أتحداكم ! ها هي الحياة، دوما مستأنفة. ها هي، تضج في صدور وقـعـت عـقـدا مع الله و مع الأرض و مع الأسلاف أن لا تموت، إلا لكي تعود للحياة أعظم قوة و أشرف إرادة
و ها أنـتـم الـيـوم أمام أهـوال ما خـطـته قـنابلكـم خرابا و أطلالا. و هـا هـي الإنسانية الجريحة تـسـتـنطـقـكم : كـم دموع تـكـفـيـكـم غـدا، حـتى تـشـيدون بـحـيـرة تـغـسلون بها عـار قـذاراتـكـم، أمام الله و أمام أولادكم و بناتكم ؟