الجزيرة أم امة في مسيرة ؟

من منا لم يتوصل بالرسالة في ذلك اليوم المشؤوم. يوم مقتل الشهيدة شيرين أبوعاقلة ؟ يومها، أدركنا أن الجزيرة في مرمى نيران الاحتلال. من يومها وقعـنا عـقـد وفـاء لا تـنـفـصم عـُـراه مع الجـزيـرة

و جاءت الحرب. فكنا مع أهل الجزيرة، نكتوي معهم بسياط القتل و التدمير. كنا عـيونا ساهرة و آذانا صاغية. و كانوا ينقلون لنا فصول الجريمة ببرود مهني نستشعـره أمواج غضب مكتوم. كيف لا، و الكلمة تكون أو لا تكون. و لكي تكون عليها الترفع و الاستقصاء و الالتزام بالسؤال القلق خارج الجواب الخنوع

هؤلاء الصحافيات و الصحافيون، نحن ممتنون لهم جميعا. إني لا أسمي واحدة و لا واحدا. لأن الفضاء ضيق و اللائحة طويلة. و لكن أكثر من هذا، لأني أخاف أن يسقط مني إسم سهوا. فكيف، و النجوم لا تسقط و لكنها رجوم للشياطين

و إذا، كيف لا تمنع إسرائيل الجزيرة ؟ من ينكر أنه منذ انطلاقة الجزيرة، فإن حربا خفية ظلت تدور رحاها بين القناة و إسرائيل. حربا صامتة لكن يسمع لها شهـيـق و زفير عـند الذين يحسنون التقاط نبض السكون في هدير الزوابع

الخبر حصان التحرر

هذه الحرب، جرت و تجري منافسة بين اختراقين لعالم العرب. الاختراق الإسرائيلي، سياسيا و اقـتصاديا و سكولوجيا، حيث تـتـظـافـر طـموحات الهيمنة و الابـتـزاز و نصب الألغام في المسيرة التنموية. و هناك الاختراق الجزيري، الذي هو رد فعل مناهض. إنه إشعاع حضاري. حيث الخـبر حـصان الـمعـركة. الخـبـر مستقى من مصادره و مسلحا بمهـنـيـته، عـلما و تـحلـيلا و سبر أغـوار

الاحتلال يقول أن الجزيرة انحازت للمقاومة بفعل تضامن قومي و عصبية أخوية. كلا، هذه كذبة بلقاء. إنهم يريدون غرس الجزيرة في أحضان قبلية بطريركية. كأنهم لا يعلمون أنها خط تحريري. و التحرير هنا ليس ما يُـحــَّرر كتابة و لكن ما يُـحـرِّر من الوصاية، عشائرية كانت أم اسـتـيطانـيـة

 كلا، الجزيرة وجدت نفسها في قلب الإشكالية الحضارية العربية، التي لن يكتب لها التألق في غياب المنطق الإعلامي، المهني. مما ألقى بها في نفس الخندق مع المقاومة. هذه تقاتل بالبندقية و هي تقاتل بالخبر النير و الكلمة المشرقة. مهنيتها العالية و حسها الأخلاقي فرض عليها أن تذيع إنجازات المقاومة و أن تعـطي الصورة جناحين، حتى تطير عبر أرجاء المعمور أشلاء مبعثرة وبـيـوتا مهدمة و مساجدا و كنائسا مداسة و مستشفيات تحولت حطاما

فمن تكون الجزيرة ؟ إنهم صحافياتها و صحافيوها، الذين أدركوا أن الخبر لا قيمة له إن غـض الطرف عن علامات الاستفهام الكامنة في طيات الخبر؟ و أن الحق في الخبر هو الحق في الأرض و الحق في الحق ؟ فكيف لا تـصرخ : ويْحكم العـدو يـجهـزعـلى بـراعم التنمية حيتما  تفـتـقـت. يقـتـل الإرادات حيتما تألقت يسـطـو عـلى الأرض قهـرا و جهـرا، استيطانا و تـهـجـيـرا ؟

هؤلاء النساء، هؤلاء الرجال دفاعا عن هذا الحق وجدوا أنفسهم أحيانا تتصيدهم رصاصات الغـدر، فـيستشهدون أو يُـعـطـبون، لكن أموتى أم جرحى فإن أياديهم تظل مطبقة على المكروفون. كأني بهم يقولون الرسالة تستحق شرف الاستشهاد

نساء غادرن ليل الحريم

من تكون الجزيرة ؟ إنها المثقف المستضاف. و يا لروعة هذا المثقف. إنه الملم بإشكاليات عصره و خلفيات المرحلة، حسابات و رهانات جيو ستراتيجية، تحاليله لا تسقط في آذان صماء. إنها تذكرنا بأن ثقافة النور، مصباح ينيرنا 

إنها هؤلاء الخبراء العسكريون، الذين بكفاءة و اقتدار يغوصون في سير العمليات الحربية، تاكتيكا و إستراتيجية و رام و مرمى. إنهم النخوة العسكرية تجلت نفاذ بصيرة. و نتساءل كيف لجيش عربي ينهزم و رجال من هذا الصنف يتولون قيادته؟

أو لسنا مع كل هذا في عــز المشروع الحضاري العــربـي ؟ إسرائيل ترى في الجزيرة إرهاصات المجتمع المحلوم به. المجتمع الديمقراطي. و ترى في الجزيرة، بوادر تحرير الإنسان العربي من بعبع جيشها الذي لا يقهر.  فقد أسقطت هيبته المزعومة تحت وقع الصور التي لا تكذب. فـقـد اكـتـشفـناه بـدائيا، جاهلا، لا يعرف ما يـعـنـية الضمير و لا معـنى سمو الأخلاق

إسرائيل، لا تغفر للجزيرة أنها حررت الإنسان العربي إعلاميا ! فكيف ذلك ؟ لم نعد عبيدا لأجهزة الإعلام الغربية. مند أصبحت الجزيرة مصدر الخبر، بمراسليها و مراسلاتها حضورا مضيئا في المناطق الساخنة، الجزيرة فرضت نفسها كـمصدر موثوق للخبر مصداقـيـة و حـسا إعـلامـيا أخـلاقـيا. نـعـم، مع الجـزيرة انـتـهت إمبراطورية الخبر الملوث. انتهى احـتـكار الغرب للخبر

 لو كانت إسرائيل تملك بعض قـُـدرات استشرافية، لكانت قرأت هزيمتها في الجزيرة. لو كانت تملك بعض دراية، لكانت تساءلت كيف تنتصر عسكريا على خصوم يرتقون ثريا الإبداع، بنساء مشرقات غادرن ليل الحريم و رجال لامعـين عانقـوا آفـاق تـحـرر أوطانهم ؟

الجزيرة، هي اليوم مشعل يضيء طريق التحرير. لا أقول إنها في بداية الطريق أو في منتصف الطريق و لكني أقول أول الـغـيـث قـطـر

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *