إسرائيل و قارئة الفنجان

تقول الأسطورة، أن مسؤولا عسكريا إسرائليا تكاتفت عليه الغـُـيوم و ضاقت به السبل، فذهب يـستـشـيـر العـرافة، قارئة المستقبل. و أمام تلك المرأة المشهورة باختراق حُجب الغـيـب. جلس الرجل و قـال: هذه كـفـِّي و هذا فنجاني، فماذا عن مستـقـبـلي، يا أماه ؟  تأملت المرأة و الخوف بـعـيـنـيها. تأملت كـفـَّـه. ثم، فـنجانـه الـمقـلوب. ثـم، بـعـد لحـظـة و قـد تـغـيـرت ملامحها، أصدرت حـكـمـها قـاطـعـا كالسيف:  » يا هذا الرجل، مستقبلك مسدود، مسدود، مسدود ! لقد مضيت بعـيدا في قـذارات جـرائـمـك و اليوم هـا هـي الملائكة و الشياطين تـلعـنك. و هـا هـي صاعـــقـة الله، رعـدا يـُـدوي: -( يا مـعـشر أهل الخراب، أهـبـطـوا أسفـل سافـلـين. فـهـناك فـي سـيـناء الـتـيـه، لـكـم مـستـقـر و مـتـاع إلـى حـيـن )

« هذا ما يقوله عـَـز جلاله. أما أنا العرافة، بصرا و بصيرة فأقول: أغرب عن وجهي، خذ فنجانك المقلوب وعُـد من حيث أتيت. ودع تلك الأرض المقدسة لأهلها. نعم، واجه ويلات مصيرك.  ذاك قدرك نسجته فضاعاتـك. فحكمت على نفسك بالمنفى الأبدي. سَـحْـب أقدام حافـيـة و أطـراف عـارية

شهوة الانتقام و نشوة المراهقة

هذا ما قالته العـرافـة و نـحـن نـقـول: قـتـل الـقائـد إسماعـيـل هنية يقـودنا لتساؤلات عاصفة: هل يمكن أن تكون إسرائيل بكل هذا الغـباء الإستراتيجي؟ و إلا، فـلنسأل عما تحصده من هذه المكيدة؟ أليست المقاومة اليوم أكثر تحديا و جرأة استشهادية؟ أو ليست كل فصائل الشعب الفلسطينى متحدة؟ أو لا تعانق السنة، الشيعة و الدروز، في نفس المحنة؟ أو ليست كل أذرع المقاومة يَـمَـنا وعراقا و لبنانا و غزة إلا تـنسيـقـا؟

نعم، إسرائيل رقصت و طربت نشوة انتقام. لكن، ما تجديها نشوتها المراهـقة في وجـه عـالـم وحـدتـه فـي وجـهـهـا ؟

نعم، قارئة الـفـنجـان قالت قـولا أصاب كـبـد الـحقـيـقـة. ها هي إسرائيل في الباب المسدود. تتساءل ما تراها فاعلة و أسود حزب الله شمالا و أشبال غـزة جنوبا و نسور اليمن شرقا و فهـود المقاومة العراقية غربا، فبالله أين المفـر؟

هل كانت إسرائيل بحاجة لصنع كـل هـؤلاء الأعـداء؟  تأملوا معي هذا المجاهد الراحل، إسماعـيل هـنية، هل هناك أشرف و أنبل من هذا الرجل؟ عوض قـتـله، أما كان حـريا بإسرائيل أن تـتـفاوض معه؟ تأملوا معي سماحة السيد نصرالله، هل هناك أشرف و أنبل من هذا الرجل؟ أما كان حريا بإسرائيل أن تـتـفاوض معه؟ أما كان حريا بإسرائيل أن توقع سلام الشجعان مع هؤلاء الرجال؟ أو ليسوا رجال شرف و عـهـد و مـيـثاق؟ هل طالبوا إلا بـحـق و حـقـوق؟ أما كان حريا بإسرائيل أن توفـر عـليها و عـليهم كل هـذا الـخـراب الـعـظـيـم؟

التفاوض مع السنوار

هل كانت إسرائيل تعـبد الطريق لمجيء السنوار حتى تتفاوض معه؟ لكن، كيف تتفاوض مع رجل ليس إلا الجرح النازف لأمته؟ كيف تتفاوض مع رجل نذر نفسه أن لا يكون إلا الشوكة في حلق مغتصب كرامته و الطعـنة النجلاء في خاصرته؟

من ذا الـذي يـمـنع جـنـوح إسـرائـيـل للـسلم؟ هـناك الـنـظرة الاستـعلائـية الـعـنصرية. هـناك الـغـطـرسة الأنانية. و إذا أضـفـنا لـكـل هـذا، الـشـره الـتـوسعـي الاستيـطانـي، فإنـنا نـنـتـهي لـهـذه الـقـنـبلة الـسامة الـتي تـهـدد بـتـفـجـيـر كل هـذا الـشرق الأوسط

منذ تأسست إسرائيل و هي تملك الـقـناعة المتجـذرة، بأنها الـعـملاق حَــط فـي صحراء الأقــزام. فـكـيـف تـُـوقـع سلاما مع الأقـزام؟  و جاءت حـرب غـزة التي لن تكون إلا نـزهـة لـبـضعة أيام. و كان جنودها الأشاوس واثـقـون أنهـم سـيعـودون، تـزين صدورهم أوسمة النصر. و أن العـذارى الإسرائيليات سيتساقـطـن مـتأوهات عـلى أقـدامـهـم كالـفـراشات

لـكـن، يـا للـدهـشـة. طـوال عـشـرة أشهـر يعـودون نعـوشا و إلا مهـشـموا الأطراف، ممزقـوا الـنفـوس. أما الـذيـن لـم يـعــودوا، فـهـم هـناك، حـيارى بين غـيوم و ضباب، لا يـكـاد يـنجـلي إلا بـعـمـلية فـدائـية تـخـطـف الأبصار والأرواح و تـتـركـهــم مـمـدديـن بـيـن أنـقـاض و خـرائـب ولـيـل بـلا صـبـاح

إسرائيل خـسـرت دائـما حـروبـها. لـكن الـغـرب و أمريكـا أقــنعـاهـا أنـها المنتصرة. و كانت تـُـصدق الوهم. و كـيف لا، و حـروبها خاطــفـة كــلمح البصر؟

اليوم، و لأول مرة تواجه إسرائيل حربا اخـتـبـاريـة، أمام جـيـش بلا عُـدة و لا عـتاد و لـكـنه و طـوال عـشرة أشهـر يذيـقـها حـنـظل الـهـزيـمـة الـزؤام

طريقكم مسدود، مسدود

ماذا يـتـبقـى غـيـر الانـتـقـام الـجـبـان ؟ من هـنا قـتـل هـنـية. من هنا كل هـذا الـخـراب. هـذا الـسيـل اللامـتـوقـف مـن الـفـضاعات، هذا الـتـنـكـيـل الـقـذر بالأسرى، هذا الاستهداف الدنيء للصحافة

هــاهـي إسـرائـيـل الـيـوم كـالـدابــة الـمـطـعــونـة ظهــرا و بـطـنـا. إنـهـا الطـعـنات تتحول جـربا. كلما هرشت أطرافها، كلما اشـتـعـل الـجــرب فـي جـلـدهـا. إنها الـمـصابة في جـبـروتـها الـمزعوم، عـلما و بـهاء و بـطـولة. إنـها لا تـصـدق أنها المهـزومة من أنـاس مـنـعـت عـنهـم لـقـمة الـعـيـش و قـطـرة الـماء

يا للـعـار! يـا للـذل! كـيـف؟ و إذا، فـي وجـه هـذا الـعُــري الـمـفـضـوح، فإنها لا تملك إلا الهروب أماما. أي، إشعال الحرب فـي كـل مـكـان. فـالحرب و أهـوالـها تـتـرك دخـانـا يـحجـب الصورة المتسخة و حجـم خـيـبـة الانـبـهـار. انـبـهار أوهـام الـسيـادة الـمطـلـقـة، حـيـث الأرض الـمـوعـودة تجلت كأسا مسمومة

ختاما، هل كانت قارئة الفنجان مخطئة عندما قالت: يا أهل الخراب و الدمار، ها هو السنوار يؤكد لكم أن طريــقـكـم مـسـدود، مـسـدود، مـسـدود؟

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *