إبتهال، صرخة أم صفعة ؟

لماذا كل هذا الافتتان بهذه الفتاة المسماة إبتهال أبوالسعـد؟ لماذا دوت صرختها في كل المواقع الاجتماعية ؟ أي وتر حساس عزفت عليه لنهتز. ثم، لننشر لها البساط الأحمر نحو قلوبنا ؟ لماذا احتفينا بها و بصرختها بفرح لا يُـضاهـى؟

أولا هناك صرخة الغضب. صرخة العـدالة في وجه قـذارة مؤسسة تملك الملايـيـر و تـوظـف كـفاءاتـها فـي سـحـق أطـفـال غـــزة. لكن هناك علامات أخرى تتصادم لـتـنـيـر المسكوت عـنه

هذه الفتاة، هي أولا إمرأة و صرختها هذه، هي صرخة  تعبر عن تأكيد الذات النسائية في وجه استبداد العـدو الحضاري المتجاوب مع استبداد  العدو الثقافي المحلي. إنها تعبيرعن مقدرات أمة كبلت المرأة، فكبلت مقدراتها حد التواطؤ جُـبـنا مع قـتـلة أطـفالها و محتلي أرضها

مند الاستقلالات المشوهة و أمتنا تمضي من مخاض إلى إجهاض.  و مع كل إجهاض نزيف جديد، حتى هذا النزيف المهول في غــزة؟

صرخة ابتهال تقول : متى كانت المرأة و هي المقيدة بـعـقال الـتـقـليد و أقـماط الأيام الخوالي تصرخ في وجه مغـتصبيها و مغـتصبي حق أمتها، إلا إذا كانت خارج عــار حريمها ؟ متى كانت و الحالة هذه، تحلق في سماوات تحـقـيـق الذات أو بناء الشخصية ؟ متى كانت الأجنحة المقصوصة إلا قتلا لخاصية الطيران. و إذا فمرحى بالزحف انكسارا و خنوعا ؟

إبتهال أبوالسعـد
عار عليك يا مصطفى

ابتهال أو النخلة الباسقة

هل كنا نتصور لحظة واحدة هذه الابتهال تعيش بين ضهرانينا ؟ هل كنا نراها بعزيمتها تعتلي أرقى المناصب. ثم، تنتصب ذات يوم كنخلة باسقة في وجه رجل السلطة صارخة :  » لقد سرقت أموال الأمة. إن يداك ملطختان بوحل الفساد. عار عليك، بل كل العار إنك تستحق محاكمة تنتهى بك خلف القضبان« ؟ »

هذه المرأة تقف بهذه الشخصية، بهذه الأنفة، لا لتشتم مايكروفوست و كفى، و لكن لتؤكد غضب هوية مداسة تقول : متى كنا نرضى أن تداس كرامتنا أو تـسـرق أرضنا ؟

ابتهال، جرح في حنجرة تقاوم السلخ بـعـد الذبح ! لماذا ركزت في صرختها مرددة إسم مديرها « المصطفى » فكيف ؟ لكن، أليس ظـلم ذوي القربى أشد مرارة من الحسام المهند ؟ أو لم يكن حريا بهذا المصطفى أن يشهر رجولته ضد هـذا المسخ ؟ أو ليس المصطفى إسما لرسول الله رمزا للشرف و الحضوة مجدا وعـلو هـمة ؟ فكيف لهذا الإسم أن يتلوت في هذا المستنقع القـذر ؟ مستنقع الـقـتـل و الردم و التجويع و كل ضروب التعـذيب للضحية و وصمة الـعـار بـامـتـيـاز عـلى جـبـيـن الـجـلاد ؟

ماذا لو كانت ابتهال تعبيرا عن الغضب الفيروزي الساطع. غضب أمة تصرخ بحقها في الـتـعـبـيـر سـبـيلا لتحريرها من أهوال ما يـكـبـل إرادتها و يسلمها نعجة تقبل رجل ذابحها بمدية التعـسف أضحى في غـياب الـرادع سلطة أنانية مطلقة ؟

البيأة الخانقة تعطي شخصيات كسيحة نسائية كانت أم رجالية. لكن وضع المرأة أهول و أخطر. إن الجبال تنزل على كتفيها. فكيف بـقـبضة خصبة إلا يـدا تصفـق قناعة و أصابع توقع طاعة و إلا فإنها رفـيقـة الـفاحـشة و خـلـيلة إبـلـيـس! ؟

إبتهال، صرخة أم صفعة ؟

شياطين  الهوان و أقزام العفاريت

أو لسنا بحاجة في جامعاتـنا إلى إنشاء شعبة تدرس مكانزمات إنتاج و اعادة إنتاج الرداءة؟ أو ليس هذا مرتبط كل الارتباط بالرقي الحضاري و النمو الاقتصادي ؟

الويل، ثم الويل لأمة لا تفكر في لعــن شياطين هوانها و أقـزام العـفاريـت كبلوا إرادتها

فمتى نضع موضع تساؤل هذا الإسلام الذي أفرغـناه من أنوار اجتهاده و خصب صوفيته و روحانياته لنجعل منه دينا طقوسيا متعصبا يعلم الخنوع و تـقـبـيـل الأيادي و لحس البلاغي

متى نضع موضع تساؤل هذا النظام التعـليمي المفـلس و الذى لا يكون في الغالب الأعـم إلا ضباعـا أو أعجاز نخل خاوية حيث مالت الريح تميل؟

كيف نرضى بهؤلاء الضباع  يخيطون للأمة أكفانها و هم لم يتعلموا إلا تهجئة الفاتحة تشييعا للأمة نحو مثواها الأخير

أو ليس ما نتخبط فيه لهو هذه الأنماط الفكرية المتكلسة. و هذه العادات و الأعراف الصدئة، أي كل هذا المنحدر من التعاليم البائدة و الوصايا المصفرة

أو ليس كل هذا إلا البردعة تحشيها إسرائيل تبنا فوق أكتافنا و منغازا فى ظهورنا. و ها نحن نركض تدهورا و سفالة

يا الله، إن ذل البردعة لا يضاهى ذلا. و شتيمة المنغاز لا تعادلها سفالة. فيالله، متى ينتهي منفانا خارج صحاري قهرنا؟ متى تدق ساعـتـنا؟ إننا نرى كل الساعات في أرجاء المعمور تلاحق الزمن، إلا ساعـتـنا المعـطلة على الدوام

أن تسكت. أن تحشم  

لو كانت ابتهال في بلادنا، لكانت بيأتنا التعـيسة تحكم عليها بتخـيـيـط لسانها بين شفتيها. و لكان عليها أن تسكت، أن تحشم هذه الحشمة التي تقول ثقافتنا العامية، أنها تنجب أولاد الحرام. و هكذا من حشمة لحشمة و جدنا أولاد الحرام يستولوا على كل شيء. الاقتصاد تحت سلطتهم. الإعلام تحت هيمنتهم. السياسة ملكية مطلقة لهم. العدالة جارية تعزف لهم أروع الألحان

في هذا الجو الموبوء، ماذا يتبقى أمام الحرائر الابتهالات غير الحجاب حفاظا على عزة النفس. ماذا يتبقى أمام الإعلامـيـيـن الأشراف غـيـر الابتعاد عن هذا المستنقع الجرائدي، لكن كلمتهم النيرة تشق الآفاق. ماذا يتبقى أمام أهل الاقتصاد غير الاستقالة، لكن تحليلاتهم الخصبة تشير بأصبع لا يرتعش لجذور الانهيار. ماذا يتبقى أمام أهل النزاهة السياسية إلا التنديد رفضا و سخطا و غيضا لا مكتوما

ختاما، هل كانت ابتهال تتوجه لأصحاب مايكروفوست أم كانت تتوجه لنا لتقول : كفانا ضربا في صحاري الهوان. و إذا رضينا بهذا فـتـبا لنا و لنلقي بأنفسنا في مهاوي الردى. فإما حياة تـسـر الصديق و إما مماة تُـغـيـض العـدى.أو ليس هذا ما قاله شاعرنا منذ مائة عام و يزيدون؟  

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *