آرون بوشنيل، كيف تحيا فلسطين و أنت تموت؟
بمناسبة ذكراه الأربعينية أتحدث إليكم عن هذا الولد الذي اختار يـأسا أن يضرم النار في جسده تنديدا بالمجازر الإسرائيلية فى غــزة
نعم، كم كنت أحلم أن أملك خاتم سليمان فأدير عـقارب الساعة خلفا و أتوقـف عند تلك اللحظة المهولة. لحظة التهام النار لجسد ذلك الفتى المشرق. ذلك الذي و النار تلتهمه كان يصرخ « تحيا فلسطين
كنت أحلم أن أكون هناك، في تلك الساحة المشؤومة و أنا أراه يتقدم بخطى ثابتة نحو مصيره المحتوم. ساعتها، كنت أنطلق كالسهم نحوه و أصرخ بما أملك من صهيل الخيول الجريحة في صدري: ويحك ولدى، كلا، لا تمت. فـقـتـل الإرادات النبيلة هو قـتـل لإنسانية الإنسان فينا. كلا، لا تفعل. ويحك، إن مستقبل الإنسانية بين أصابعك و أصابع نساء حـرائـر و رجال أشـراف مـن صـنفـك
لو كنت ساعتها حاضرا، كنت أنتزع منه علـبة البنزين لأسكبها فى مياه المجاري و كنت آخذ منه الولاعة لأطوح بها بعيدا و كنت أقول له ولدي أقدح ولاعة روحك. فهناك شمس لا يطيب لها أفول فهي، تطمح دوما و أبدا للشروق من جديد
في هذه الحياة ما يستحق الحياة
أتفهم أمواج التمرد، عنفوان لهيب يلتهم أحشاء العزة في روحك النبيلة. لكن، رجاء لا تطفئ شعاع النور في عينيك، في بسمتك. لا تجهز على إشراقة الضوء في ملامحك. إن شعاع النور هذا مصباح يلهمنا
عليك أن تعلم أنه رغم كل هذه القذارات، ففي هذه الحياة ما يستحق الحياة. كما يقول شاعرنا. و لأنها كذلك، فلنقاوم. فلنا إخوة هنا و لنا أحبة هناك و لنا أجنحة و لنا أشعار و كبرياء تطاول عنان السماء. و لنا أحلام و حنين لدار و أرض كانت لنا و لا تزال طافحة بعطر الراحلين
و أكثر من هذا، لنا وصيتنا نقرأها في عشائنا الذي ما كان و لن يكون الأخير. كلا، إنها وصيتنا نقرأها على أولادنا حتى لا نموت. حتى نظل أحياء ننفخ في سواعدهم ما تضمخت به أنفاسنا من أشعة العدالة و قدسية الحق الذي لا يعلى عليه فهو إسم الله
هناك عروس في انتظارك
يا ليتني التقيتك يومها، كنت عانقـتـك عـناق الأبوة المُـرشدة و كنت دعـوتك لكأس شاي و كنت أقبل يداك، لأقول لك ببحة الغيض : كلا، ولدي لا تلعب هذه اللعبة البغيضة. كلا، ولدي الموت سلاح أهـل المجازر و المقابر. فكيف، ويحك و أنت الفتى المشتعل وسامة كبرياء و شهامة رجولة. ويحك، هناك فتاة رائعة القسمات، رائعة الخـُـصلات. رجاء لا تخطئ موعدك معها. إنها في انتـظارك. إنها تحلم أن تكون لك عروسا و أنت لها عريسا. إنها تحلم أن تشيد معك صرح إنسانية جـديدة، خـارج هـذا الـمسخ الـذي يـزحـف تملقا أمام جبـروت الـسلطـة و سـوط الــمـال
تقول بسعار التمرد، ماذا نستطيعه أمام سيل المذابح و المسالخ، طفولة و نساء و شيوخا؟ كلا، ولدي تستطيع الكثير بهذا المشعل ترفعه بـيـد تهـتـز فـخـرا. الأقبح يا ولدي أن تختار اليأس، فتجعل هذا المشعل يسقط من يدك و إذا سقط من يدك و يدي و يد جنود النور، ماذا يتبقى غير عناكب الـظلام تخـتـال مزهـوة، باصقـة عـار مؤخراتها سموما في حلق إنسانية لا تـعـرف كـيف تـرفـرف و أجـنحـتـهـا مـقـصوصـة بـكـل خـناجـر الـغـدر
ألا ترى معي كل هذا الصمت المجلجل الذي ليس إلا قدرية خنوع و استسلام ذليل و تواطؤ خسيس مع قـوى القهر. تلك التي لا يطيب لها خاطر، إلا إذا حفرت بصمتها سحقا و نسفا لإنسانية الإنسان
سلام على روحك الطاهرة
و أنت تحترق، كنت تصرخ » تحيا فلسطين ». فبالله، كيف تحيا فلسطين و أنت تموت؟ فلسطين خالدة، لا تموت. لأن فتيلة روحها تستضيء بزيت أنفاس مقاومة من صنف أنفاسك. فكيف تعيش فلسطين و أنت تحرق أنفاسك ؟
كـيـف ترحل إذا ؟ ألا تـرى أنـك تـتـركـنا عـُـراة، يـتـامـى فـي عُـرس الـذئاب المسعـورة ؟
و اليوم، و قـد عانـقـت مصيرك فإني لا أملك إلا القول : سلام على روحك الطاهرة. سلاما، سلاما، حتى غـروب الشمس. و بعدها سلاما، سلاما، حتى مطلع الـفـجــر