
الخنجر في ظهر المسلم يهز الأمة الفرنسية
تقدم الرجل المسلم. دخل المسجد. خلع نعـله. ثم، مضى أماما. ثم، وقف متوجها للقـبلة المباركة، رافعا يداه مكبرا. ثم، انحنى. ثم، ركع أمام الله. في تلك اللحظة المتوهجة بحرارة الإيمان، تقدم رجل آخر، أخرج خنجر غـدره، و سدد طـعـناته القاتلة في ظهر الرجل الراكع خاشعا أمام الله
و كان السؤال العاصفة : هل كان هذا المجرم الجبان يسدد طعـناته لرجل أم للسلام البريء أم ترى للمحراب أم للمنبر؟ كانت الحدود تنهار بين الكنيسة و الكنيس و المسجد. كان المقدس وحده ينتفض ملطخا بدم الجريمة. و كان الإنسان، أي إنسان، أيا كان دينه أو لونه يـقـف مشدوها أمام ثراته الروحي و الحضاري مداسا مطعــونا بخنجر الغـدر الهمجي في بيت الله
ألهذا كانت تشتعـل المظاهرات؟ ألهذا كانت تسري رعشة غضب في أوصال الأمة الفرنسية؟ ألهذا كان ممثلوا الأمة في الجمعية الفرنسية يـقـفـون دقـيقة صمت؟ هل كانت دقيقة الصمت، صمتا؟ فكيف، و هذا الصمت مـدوي بـشـهـيـق و زفـيـر؟ ماذا جرى؟ هل نعيش ثورة ثقافية تعيد تشكيل معالم الشخصية الفرنسية بإسلام تنكرت له دوما. ثم، أخيرًا ها هي تستنير بإشراقه؟
أو لم نتعود في فرنسا أن نرى الإنسان المسلم يقتل و يمر الخبر لا مر الكرام، بل مر اللئام؟ متى كان الإنسان المسلم يلقى أدنى اهتمام؟ متى كان إلا الإرهابي الخارج عن القانون؟ لو شعرة واحدة مست في رأس إنسان يهودي لكانت الدنيا امتلأت زعيقا و نهيقا و طنطنة أجراس و صهيل أفراس ! أما المسلم فـليـقـتـل و إن قـُـتـل فـليـدفـن فـي مـقابر الـنسيان و العـدم
فما الذي جرى اليوم؟ ما سر هذا الانقلاب الخطير؟ هل هو تعبير عن وعي جديد؟ كيف تحول هذا الإسلام من نكرة إلى عملاق يجند الأمة الفرنسية و يسدد صفعة للعنصرية الإقصائية؟ ماذا لو توقفنا عند كل هذه العوامل التي صنعت هذا التحول الذي يجعل الأوساط الفاشية تشتعل أنيابا تنهش منها الغرائز و الأحشاء
النقطة الأولى: ماذا لو توقـفـنا عـند مسرح الجريمة و الأمر لا يتعلق بمسرح ما و لكنه بيت الله. و الجريمة استهدفت مؤمنا يصلي أمام الله. و إذا فهي الجريمة ضد الإيمان، ضد الجلالة الإلهية، ضد الأخوة الإنسانية. هذه العوامل التي في غيابها فإن الإنسانية تعود لشريعة الغاب؟ ماذا يتبقى ساعتها من هذه الديموقراطية المتبجح بها؟ ماذا يتبقى من حقوق الإنسان التي دشنت معالم الهيبة البشرية؟
النقطة الثانية : الجريمة وقعت في هذه اللحظة المرة النازفة بالجرح الغزاوي مجاعة قذرة و أجساد ممزقة. أو ليس كل هؤلاء إلا مسلمين مقتولين غدرا في بيوت آمنة هدمت فوق رؤوسهم؟
النقطة الثالثة : الجريمة وقعت غداة رحيل البابا. و هو الرحيل الذي تزامن مع وصية تجلجل في الآفاق و تقول : ويحكم يا بني البشر قبل أن تكونوا مسيحيين أو يهودا أو مسلمين أنتم قـبل كل شيء إخوة. إن أكرمكم تعـفـفا و نزاهة هو الأقـرب لربكم جل جلاله. و يحكم إرفـعـوا علم المحبة عاليا و ارفعوا علم التنديد بكل ما هو خـزي يمس بقدسية الحق جل شأنه
النقطة الرابعة: المسلمون في فرنسا ارتقوا. إنهم أمة لا تنام على الضيم و لا بهوان العيش .إن المسلم الشطاب أمسا هو اليوم المهندس الأرقى أو الطبيب الأكفأ أو الإعلامي المبهر أو الأستاذ الألمع. ما من مسلم في فرنسا إلا مجندا في خدمة أولاده و بناته. إنه يسهر عليهم كل السهر. إنه لا يريدهم أن يعانوا ما عانه هو. و ها هي النتيجة، جيل بأكمله يرتقي سبل الرفعة و المسؤولية
نعم، هناك بكل تأكيد المتنكرون لعروبتهم و إسلامهم. لكن هؤلاء لا يؤبه لهم. فهم ليسوا إلا حطب السيل. فالكلمة التي لها وقعها لهي الكلمة المجللة بـهـيـبة الصدق و عمق الإدراك لإشكاليات الـظرف الإنساني
النقطة الخامسة : اللوبي الصهيوني المتحكم في الآلية الإعلامية و المروج للطروحات العدائية للإسلام و المسلمين، هذا اللوبي يعيش اليوم حالة انهيار منذ الحرب الإبادية الغزاوية. لقد سقطت ورقة الثوت على هذا اللوبي، فبدا فاقدا لكل مصداقية و بدت دعايته المغرضة في حق الإسلام و المسلمين مجرد فزاعة يراد بها تشويه هذا الدين الحنيف و أهل هذا الدين
النقطة السادسة : من ينكر بروز إسلام فرنسي مشبع بقيم الحداثة و هو الإسلام المتماهي مع الشخصية الفرنسية، حد أنه أصبح جزءا مشرقا و مخصبا لا يتجزء من هذه الهوية. إنه إسلام يستلهم إشراقاته الروحية من كبار المفكرين، يتقدمهم محمد أركون. إسلام يطمح أن يكون جسرا ينير البلدان الإسلامية أسيرة الإيديولوجيات المتعصبة و القيود الفقهية المتزمتة القاتلة للاجتهاد و الإبداع التحرري
خلاصة القول، كل هذه النقاط تفاعلت، تظافرت لتحرك الشارع و الوجدان الفرنسي تـنـديـدا بجريمة همجية. و إيذانا بتشييد عهد جديد يكون فيه الإسلام حاضرا بإشراق أبنائه و بناته الذين لا يرضون بغير الصفوف الأمامية بديلا. و كيف لا، و هم المشتعلون تكوينا و أخلاقا و المبهرون فصاحة فرنسية يحسدهم عليها أهل هذه اللغة. أو ليس دينهم دين الرقي الحضاري. أو لم يوصيهم رسولهم : ويحكم، العزة كل العزة لله و لرسوله و المؤمنين