حكاية إمرأة إسمها ريمة حسن
كان قدر الإنسان الفلسطيني أن يحمل نعــشه عـلى كــتفه، و يــمضى لعـناق مصيره المحـتوم ؟ منذ انـطـلاق الحـرب الغـزاوية، فــإن المغـتصب هـو الذي أصبح يـحمل نعـشه على كـتفـه. نعم، تغـيـرت الصورة. فـإذا المــقاوم نخـوة شـموخ و تحـد. و إذا المغتصب بتـقـتيله و تجويعه، ليس إلا ديناصورا لم يدخل طور الانقـراض. و لكنه حـيا يختال أمامنا يمشي بـخبـاطـتــيـن و يـزحـف بـجـناحيـن و يـُزمجـر بـمنـخـرين
طوال ثمانين عام و إسرائيل تـُـذيق الفلسطيني آيات القـتل و الدمار و التهجير و سد أبواب المستقبل. لكن، يا للغـرابة، إسرائيل لم تكن تعـلم أنها كانت تحضر المستقبل الفلسطيني. و أنها و هي تسحق عـدوها تحت جزمتها دفـنا في التراب، فإنه في قـلب التراب كان يتشبع بعـطـر التراب، ليتحول بـذرة عـناق أبدي مع الأرض. و ها هـي الـبذرة و كل البذور تتـفـتـق ربيع صمود، ربيع فـخـر
تـتـفـتـق فـي فـلسطين أولا، ثـم عـبر عـواصم العالم أمواجا أمواجا. و ها أنا في باريس أرى بُــرعـما فـلسطينيا يـتـفتـق هنا. في صورة إمرأة رائعة الأنفة، إسمها ريمة حسن. من كان يتوقع أن إمرأة فلسطينية تتقـدم الصفوف في قلب باريس، لتنتشل الكلمة من أبواق التهريج ؟ أو ليست تـُعـيد للكلمة شموخ الكلمة. فالكلمة بلا عـنفوان شموخها، كـلمة لا رواء لها و لا ثمر. الكلمة، بلا شـرف الـكلـمة، هـي شـتـيـمـة لحـضارة الـكـلمة
ريما في ضيافة بن غوريون
في هذه اللحظة، و أنا أحَـضر لهذا الخطاب ينتهى إلي أن ريمة حسن مستدعاة من طرف البوليس، للتحقيق معها بتهمة تشجيع الإرهاب ! و هذه تهمة غـبـيـة نعـيشها منجلا حافـيا فـوق رقـابـنـا. لكن، ماذا لو قـلنا أن الأمر كذلك. و أن ريـمة حـَـسن تــخطـط حقا و صدقا لعملية إرهابـيـة ! نعم، عملية إرهابية إعلامية، ضد الغـدر تجلى خنجرًا يُـغـمد في صدر الحق و الحقوق، ضد الغـدر تجلى قنبلة جبانة في بطـن إمـرأة حـبلى بـغـد يـُـخـلـخـل الركائـز المـزهـوة بـعـار قـذاراتـهـا
بن غوريـون، الزعـيم الاستشرافي الذي لا يشق له غـُـبار، قال قـولته التي أصبحت عـقيدة يـديـن بها مـواطـنوه : » الذين عاشوا ما يسمونه بالنكبة سيشيخون ثم يموتون و الأجيال الجديدة محكومة بالنسيان « . يا للحماقة، كيف لرجل يتمتع بأدنى حـصافة أن يـتفـوه بهذه الببغاويات؟ متى كانت ريـمة تـنسى أمها و حليب الأم نابضا بين أسنانها ؟ متى كانت تـنسى رائحة الخزامى في صدر الجدة، و هي ملء حواسها ؟ متى كان الإنسان ينـسى وطنا و هو الجـذر العـريان مكتويا بزمهـرير المنفى و الـتـشـرد ؟ متى كان الوطن المسلوب إلا بـندقــيـة دموعها طـلقات في وجه المغـتصب الـغاشـم ؟
ريـمة حسن تنتمي لهذا الجيل الذي لم و لن ينس. و لكنه الجيل الذي استبطن الوصية جمرا في الأحشاء. فإذا، الوصية أفواها تـتغـنى بنشيد الحرية و أصابع تضغـط على الزناد. لكن جـيـل ريمة و هو الفخور بجذوره، فإنه نشأة ينتمي لكل المنافي. شرب كل الثـمالات، و امتطى كل الرياح. و إذا، فالقـضية لم تعـد بندقـية بـكـماء، و لكنها البندقية. ثقافة تـعـددية، تـواصلا مُـخصبا، و فن خطاب يـُـفـند بهلوانيات الـزيف، التى لم تغادر و لا يـوما كـهـوفـها المــتــزمـتـة و لا أوراقـهـا الـمـصـفـرة
الأوساط اليمينية المتطرفة تعانق التوجهات الإسرائيلية تهـديدا و تـجـديـفا عـلى ريـمـة حسن ! لماذا ؟ لأنها كإمرأة فلسطينية، مسلمة، عربية تُــكسر الصور النمطية. فهي تطـرح الخنوع أرضا و الطاعة التـطـويـعـية أرضا و الحريم أرضا و ترفع قـُـبضتها عاليا في وجـه الاسـتعـلاء الـعـرقـي الـمقـيـت. و كـل هـذا، لـيس إلا مـلحا فـي الـجـرح الـقـومي الــفــاشــي
هذه الهياكل المسعـورة ترى في ظهور هذه المرأة و اشتعال هذه المقاومة، تأكيدا لهوية تـعـيـد تـشـيـيـد ذاتها، فوق هـذه الخرائب و هذه الأكـوام مـن الجثث. أو ليس كل هذا إيـذان بانـبــتـاق حـضـارة أمـة تـبني صـرح الـقـانون و الـحق، خـارج هـمجـيـة الأدغـال و شـريـعـة الـغـاب ؟
إنها الحرب الرهان بحجم الكون
قد تمضي ريمة بعـيدا و قد تصبح أيـقـونة شعـبها. و إذا، فـقـد يستهدفها القـناص، العـدو و هو الماهر في اصطياد الكفاءات الفلسطينية. لكن، ماذا عن كل الريمات القادمات ؟ ماذا عـن شـعــب يــصـبـح بـأكـمـلـه ريـــمــة ؟
خلاصة القول، ريـمـة تـذكـرنا أن ما يجري بـغــزة رهان بحجم الكون. و أن إنتصار الغـزاويـين، هو إنتصار لإنسانية الإنسان و اندحار الغـطـرسة الأنانـية. و إلا العـكـس الـكـابـوس
فهل ريمة إلا حمامة نوح تحمل بـُـشـرى انـحـسار « الـطـوفـان » و انبثاق الربـيـع؟ و نـفـرك أعـيـنـنا مـن الدهـشة. متى كانت إمرأة تضطلع بدور خطير كهذا ؟ لكن، لم لا ؟ أو لا تستمد المروءة كل أحرفها لـُـغـة من المرأة؟ فكيف جعـلنا من المروءة عـنوان رجولة؟ أو ليست المرآة تستمد كل أحرفها لـُـغـة من المرأة؟ فكيف لم ننـظر لوجوهنا في هذه المرآة، فـنرى ملامحنا ذابلة لأنـنا لـم نـحـسـن وضع يـدنـا فـي يـد الـمـرأة ؟