رسالة مفتوحة للقائد أحمد الشرع الجولاني

جناب القائد الكريم، هل تسمحون لي بكلمة ليست إلا فيضا من غيض؟ هل تسمحون لي بالقول أن القلوب بلغت الحناجر. و إذا، فكل الأبصار متجهة نحوكم. فرجاء لا تخيبوا أملنا. دعونا نرى فيكم نموذجا و فخرا و نبع إلهام لأطفالنا. دعونا نرى فيكم فجرا تنفس بعد ليل عـسعـس و فجر أشرق بعد قهـر، كان محرقة

دعونا نرى فيكم القطيعة و الاستمرارية. القطيعة مع هذه السراديب القذرة، حيث تسحق إرادة الأمة و الاستمرارية مع هذه الأنوار الربانية، التي حفظت أمتنا و ألهمت على الدوام مسيرتنا. دعونا نرى فيكم تعـبـيـرا جليلا عن ولادة جديدة، بعد هذا المخاض العسير. و بدايات واعدة لعهد جديد، خارج هذا الجشع العـتيق و هذا الاستبداد المقيت؟

نعم، نعم، إن التركة ثقيلة. لكن، ماذا لو قلت ان رواسي الجبال على الهمم الكبرى تهون. فهل تجسدون هذه الهمم؟ نعم، ما أهول التحديات أمامكم. و أولها، هذه العربدة الإسرائيلية عـلى حـدودكم، تستفزكم، تـقـضـم أرضكم. فـبالله ما العمل؟

لا و ألف لا للحرب

سيدي، و أقولها ببحة العربي المسلم المذبوح من الوريد للوريد. إن شر الاختيارات، إختيار الحرب. نعم، بعد كل هذه الجرائم الحقيرة في غــزة. إسمحوا لي أن أصرخ: لا و ألف لا للحرب. لا نريد طفلا غـزاويا أو سوريا أو لبنانيا مدفونا تحت الأنقاض أو حيا يسعى بأياد أو أقدام مبتورة. لا نريد لشيخ و لا لامرأة و لا لرجل أن يسحق تحت وابل النيران. لا نريد للكلاب أن تنهش أجساد إخواننا و أخواتنا بإيعاز من جبروت الجهل الهمجي، الوحشي

   و إذا، فإياكم من فـخاخ الحرب؟ هذا حلم إسرائيل. فدعوا الأفعـى السامة متقوقعة على سمومها، في جحر قناعاتها البائدة. إنها المخلب الحديدي للغرب المنافق طافح، سما و وباءا. لا يطيب لها عيش إلا إذا جعلت من دمشق، روح العروبة خرائب. لا تحلم بسوريا، إلا مجزأة قبائل وعشائر بمواطنين في الخيام و المنافي، يتضورون جوعا و أمراضا و عـريا

 وإذا، نعم لحرب إعلامية شعــواء، لا حرب عساكر وطبول. لكنها حرب الكلمة الحقـوقـيـة، منددة بانـتـهـاك السيادة الوطنية، منددة بالتطبيع حصان طروادة، و التنديد بالسطو على أرضكم و أرض فلسطين بأعـذار خـرافـيـة أسـطـوريـة

و لتـكن حرب التواصل المشبع بقيم الحداثة و القانون الدولي. و إذا تـقـويـة الأواصر مع الهيآت الدولية، مع المثـقـفـيـن الأشراف، أهل الضمائر الحية، مع الجمعيات و الجامعات، مع الأحزاب، مع المؤسسات و انتداب أكفأ المحامين يخترقون كل المنابر الإعلامية، دفاعا عن الحق المداس

و كل هـذا معـزز باستنطاق لا يرحم لمحاكم الجنايات العالمية، تحضيرا للملفات، لكل المجرمين الصهاينة الضالعين في مؤامرات الخـزي. إحتلالا توسعـيا و سُحقا إجراميا للإنسان الفلسطيني، حيتما حل أو ارتحل. خوض حرب عسكرية في ظل ميزان القوى هذا، ليس إلا انتحارا و تهورا. كيف تخوضون حربا مع جيش قدره أن يستعمر و يُـخـرب و يُـجَـوع؟ كيف، و أنتم  قـدركم أن تشيدوا و ترتقوا؟ أو لستم بناة الحضارة؟ أو ليسوا هم، إلا فـلول المستعـمرين العابرين؟ أو ليسوا إلا الغـرباء في أرض تصرخ حجارتها و أشجارها بعـروبتها؟ أو ليس هنا لب القانون الدولي و ضمير العدالة الدولية ؟ فهـل يـعـلنوها حـربا عـلى الكون و السماوات السبع طـباقـا

لابد من القدس و إن طال السفر

دعوهم في غطرستهم يعمهون. دعوهم في عجرفتهم يتخبطون. فالأرض لأصحابها و لابد، ثم لابد من القدس و إن طال السفر. أو ليس موعدنا الصبح و متى كان الصبح بعيدًا؟

حضرة القائد الكريم، هذه معركتكم الحقوقية سلاحا. و إذا، فلن يهدأ لكم بال، إلا إذا اهـتـز المجتمع الدولي عن بكرة أبيه ساخطا، مقاطعا الاحتلال حتى ينسحبون صاغرين

و أكـبـر انـتصار فـي وجـه الـعـدو، لهو الانـتـصار الأخلاقي، الديمقراطي. بـمعـنى الارتقاء الـتـنموي، الذي لا و لن يتحـقـق إلا بالوحدة الوطنية، مرورا بالحق في العـدالة، في الصحة، في الحرف تعليما و تعبيرا والحق في الخبر و الحق في المساءلة و النقد البناء. و كل هذا متوجا بمؤسسات الشفافية و مواطنة جعلت من التعـددية الـفـكرية دينا و من المساواة واجبا و من حرية الرأي و الكلمة التزاما مقدسا

سيدى القائد، نريد نظاما سياسيا يشبه سوريا العظيمة. يعكس نبل ملامحها حتى يكون الوطن النموذج لنا. وطنا بلا مخابرات، بلا شراء الضمائر، بلا إعلام يطبل صباحا و يزعـق مساء حمدا و شكرا لصاحب الخيرات و الإكراميات

سيدي القائد، إن لجام السلطة كسر أسناننا فمتى كنا خيولا؟ إن سوط السلطة ألهب ظهورنا فمتى كنا حميرا أو بغالا؟ إن زمهرير المنافى جمد الدم في أرواحنا قرونا و أهوالا؟

و لكم بودنا أن نراكم تصرخون ببحة المظلوم: تعالوا جميعكم. ادخلوها آمنين. لا سني، لا شيعي، لا درزي، لا كردي. هنا لا يسار، هنا لا يمين. نعم، نعم، كلكم  حاضرون ثقافة و هوية و تعبيرا و مسيرة تاريخية. و لكن قبل أن تكونوا كذلك، أنتم مواطنون سوريون بنفس الحقوق و نفس الواجبات. وحده، الذي يرفع السلاح في وجه الدولة متآمرا مع العدو الحضاري، هذا وحده، المقصي و المحاكم بتهمة الخيانة العظمى

المرأة رفيقتنا في الليالي، مقمرة كانت أم مظلمة
و نسألكم، و ماذا عن المرأة؟

آذان المساجد معانقا أجراس الكنائس

و نسألكم و ماذا عن المسيحيين؟ و نراكم تصرخون: إذا كان الإسلام هوية الأمة السورية، فالمسيحيون مسك الهوية و نبض الشخصية. و إذا، لن يطـيـب لـنا خـاطر، إلا إذا سمعنا آذان المساجد متحدا مع أجـراس الكنائس، تـمـجـيـدا للحق إسـم الله

و نسألكم، و ماذا عن المرأة؟ و نراكم تجيبون: المرأة رفيقتنا في الليالي، مقمرة كانت أم مظلمة. و لن يكون لها وجود إلا في ظل ثورة حقوقية، تقذف بها خارج الحريم، الحرام تعليما ومسؤولية و ارتقاء. هنا تحررنا الحضاري الذي يخرس ألسنة الأعـداء

و ماذا عن اليهود؟ و تجيبون: إننا نمد يدا مصافحة لكل اليهود الأحرار المنددين بالصهيونية، المساندين لقضايانا. إنهم أحرار الرجال و النساء. و إذا، فهم خير من يعـزز مسيرتنا في المحافل الإعلامية و الدولية

لكن، ماذا عن الجبهة الداخلية ؟ إننا نجيب عوضكم: إياكم و الانتقام من جلاديكم. لا سيف و لا سجن، إلا سيف وسجن العدالة. إن القائد الذي يضع خصومه انتقاما في سجنه و سراديبه يعصف بهيبة القيادة، ليرتدي جلباب السجان السوقي المبتذل

وإذا، نريد عدالة، كل العدالة. عدالة لا تبني أحكامها على حرفية القوانين و الأهواء و التعليمات و غرائز الانتقام. و لكن تنطق بحكمها، نابعا من روح العدالة، مبادئ إنصاف و قواعد اجتهاد و نزاهة ترفع

هذه العدالة وحدها ترفع مطرقة العدالة، لتصدر حكمها بعد الاستماع لصك الاتهام و الشهود و الضحايا و الدفاع. هذه العدالة وحدها تملك مفاتيح السجن بحقوق السجين و صون كرامته الإنسانية، مهما كانت فضاعات جرائمه

سيدي، لا نريد طي هذه الصفحة المخجلة بدون قراءتها و التمعن فيها و تقييم و ثائقها و شهاداتها و جراحها و حكم القضاء فيها، إن لم نفعل فنحن مهددون بأن نعيش مجددا ويلاتها

العروبة أو الأم الحاضنة

ما كنتم متهمين بالإرهاب، إلا لكي تبصقوا على الإرهاب. ما كنتم متهمين بقرابات داعشية، إلا لكي ترفضو داعش. التي، لا تعدنا إلا بظلام التعصب و الجهل. أين منه ظلام الطاغية. فابصقوا على ذلك، حتى تؤكدوا انتماءكم لديانة النور و حضارة التسامح التي تفضي لكل الآفاق الرحبة

وإذا، حضرة القائد، هل تعيدون لدمشق الفيحاء مهد العروبة و فخر العروبة. هذه العروبة التي ما كانت و لن تكون إيديولوجية حزب واحد و قومية واحدة. كلا، العروبة ليست إلا الأم الحاضنة لكل الاختلافات و كل الرؤى و كل القوميات و كل الأهازيج، لكل جبالنا و قرانا و مدننا

إذا خيبتم هذه الآمال و استهوتكم أنانية الحزب الواحد المشؤوم، فاستعدوا ساعتها لاجتياز القفار الموحشة في انتظار انفجار جديد يلقي بكم خارج العزة الوطنية. بالظبط، كما ألقى بهذا الطاغـية الذي أوكل لكم مهمة الإلقاء به في مجاهل العدم

فهل سيلهمكم هذا، بصمة تدشن دولة الحق يعلو و لا يعلى عليه. دولة المؤسسات، المنبثقة من إرادة الأمة. دولة القانون سيدا و ملاذا. و كل هذا يعـنى مـروءة عــفـة، و نبل عاطفة؟ أو ليست هذه، هي نفسها القيم الكريمة، التى صنعت مجد أمتنا؟  إن طاغية الأمس و طريد العدالة اليوم. ليس كذلك، إلا لأنه تبول بكل و قاحة على هذه الأخلاقيات، التي رغم كل الغيوم الدامسة، ظلت نجـوما في سماواتـنا؟

سيدى، إننا نتوسم فيكم كل الخير. فحتى اليوم، أبديتم ملامح الهيبة. هيبة، القائـد و نخوة ترفع رجل الدولة. و إذا، لا تخيبوا أملنا فـــيــكــم

و لكم منا كل الود و كل التقدير و كل الاحترام، و السلام عليكم ورحمة الله

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *