غـزة تحارب لتحريرالإنسانية  

هـذه غـزة، هنا تتمدد أجساد الضحايا مضرجة بجراحها. هنا تتمدد نخوة الشباب و أحلام العـذارى و كبرياء النساء. كل هذا يتفتت في هذه الأرض المقدسة ليخصبها حتى تـتـفـتـق إرادات مستأنفة و سواعد أقسمت أن تنحت من الصخور تماثيل الأبطال الذين وهم يرحلون سلموا المشعل للطاقات الصاعـدة

لا غـزة في غـزة. و لكنها إنسانية الإنسان تنتصب جبارة مهيبة في وجه القذارات الغابوية

كم صرح عــزة سيشيده الغـزاويون من هذه الأنقاض؟ و كم صرح عار يشيده الصهاينة من هذا الخراب؟

 « علمتني ضربة الجلاد أن أقاوم … أن لا أساوم ». هذا ما يقوله العظيم محمود درويش. لكن، ماذا لو قلنا أن ضربة الجلاد علمت الضحية كيف تنتشل من أشلائها المبعـثرات ما تشيد به هوية جديدة تـتحدى كل الجلادين؟

 عندما تبلغ قـعـر اليأس و ينهار كل شيء من حولك، بيتا و أهلا و خبزا و شايا و مدرسة و مكتبة و باقات حب. ماذا يتبقى لك ساعتها، غير أن تضمد جراحك و تشيد من أشعة الأمل في روحك بنادق ترتقي بها نحو الحرية النور؟ ماذا يتبقى لك غير أن تعجن من كل هذا اليأس رصاص خبزك المالح في لـيـلك الطـافـح، تـرقـبا لـفجر أقـسـمت أن لا تـخـطئ مـوعـدك مـعـه؟

 ويحكم يا بني صهيون أو لستم عميانا فلا تبصرون؟ و كيف لا، و الغـزاويون يشيدون تحت الجوع و الحصار ملحمة الصمود و المقاومة. و أنتم توقعـون وثيقة الطلاق مع إنسانية الإنسان فيكم. الغــزاويون يستنطقون الآفاق ليرسموا معالم غد آخر. و أنتم تخرون رُكـعـا أمام تـُـرهات تأمركم باقـتلاع الشجر و الإجهاز على الرضع و سبي النساء و قـتل كل شيء، حتى البهائم في حضائرها

  كيف تتغذون من هذه الأساطير الإجرامية؟ هل هي أساطير الأولين أم خرافات العجائز الغابرين؟ أفلا تستحيون يا أمة كانت تخيف الأمم فأصبحت تـُـتـيـر قيء الأمـم

 لطالما صدقنا أنكم العباقـرة بامتياز لنكتشف سذاجتكم مضرب الأمثال! أو لم تكتشفوا بعد أنكم سقطتم في الفخ الذي نصبه لكم القدر الفلسطيني؟ قـذفـا بكم في أحضان كهوفكم التوراتية، تلك التي تجعل منكم مهزلة القرن و مسخرة الكون و أضحوكة الأمم

 تدعون أنكم تعملون للسلم؟ بالله، متى كانت الأصابع الملطخة بالقيح و الدَّم توقع وثيقة السلم؟

 في هذا الليل البهائمي و أنتم تستدعون لأعراسكم، أحباركم ليتلوا عليكم متمايلين آيات التوسع المطلق. بينما ظفائرهم راقصة بين آذانهم و لحاهم. في هذا الوقت، كان الإنسان الفلسطيني يستدعي كبار الشهداء، كبار الأبطال، كبار المفكرين، حتى إذا جاؤوه صفا صفا، سألهم بغصة في الحلق: إرسموا لنا طريق النور تعـفـفا. طريق المجد شهامة، طريق الشرف تضحية، في خدمة أنبل المثل و أسطع النجوم

 و ها أنتم اليوم، و لا من مصافح. و كيف، و أياديكم بأصابع من ديناميت لا تحسن إلا تفجير البـيـوت الآمنة و سـحـق الأطـفـال جـنـبا لـجـنـب مـع دفـاتـرهم الـمـدرسية

 لقد تعلمنا منكم درسا لا ينسى. كنا نعـتبر الحيوانية العسكرية في عداد الماضي السحيق. لكن، ها هي فئران الطاعـون تغادر ثـقـب المراحيض و مواسير الأزبال و الغائط لتـنشـر وباءها سما في سواعد الرجال و سُـلا في صدور النساء و موتا زؤاما في أنفاس الشباب

 هذه إسرائيلكم منذ نشأتها، تختال في مشيتها كالطاووس عجرفة و استعلاءًا، تنظر باحتقار لمن حولها، تسرح و تمرح بين أرض تسرقها ليلا و أخرى تنتزعها نهارًا. توزع جوائز التواطؤ هنا و أوسمة الانبطاح هناك. و بعد هذا، كانت تنام ملء جفونها. فالغد في جـيـبـها و ثروات الكون تـحـت سـيـطرتهـا. و هـذا الـعالـم الـعـربـي حـديـقـة ألعاب تضحك على مُهرجيها

 لكن، ما أهول الحلم يتحول كابوسا. ها هي إسرائيل تكتشف أشواكها تندس في عيونها. فهـي لا تبصر. و في لسانها فهي تُـتـمتم. و في أقدامها فهي تزحف. و إذا، فهي إسرائيل الصماء، البكماء، المُـقـعـدة! و ها هم أصدقاؤها حمالوا الحطب لأفرانها يصرخون في وجهها: الآن حصحص الحق. إنك تـقـتلـين و تـنـهـبـيـن و تصُـبـيـن سـمـوم عـهـودك الـخـوالـي في جـوف شـعـب آمـن. إبـتعـدي عـنا. إنـنـا أبـرياء مـنـك. إنـا نـخـاف الله رب العالمين

من قال غزة تحارب لتحَـرُّرها

 و كانت اليقظة المهولة. و جدت إسرائيل نفسها في هذه المقبرة الغـزاوية الشاسعة، تستدعي حاخاماتها لصلاة الجنازة على أنصابها. فهذه جـُـثة إسرائيل الكبرى و هذه جـُثة السيادة التوسعـية و تلك جـُـثة شره الثروة المطلقة. و مع كل هذا، جـُثة ذاك الاحتقار للإنسان العـربـي 

ماذا بعد كل هذه الجثـث وهذا الخراب العظيم؟ من قال غـزة، غـزة؟ إنها المختبر. انبثق من قاروراته معالم إنسان عربي بنشأة مستأنفة. خارج هذا الهوان. من قال غزة تحارب لتحَـرُّرها. كلا، إنها تحارب لتحرير كل الإنسانية المهددة بوباء الشره الإستيطاني العنصري المقيت. و إذا، فها غـزة ترفع في وجوهنا هول الرهانات. فإما تحررا و كرامة و إلاّ فانتصار الغـطرسة و انهيار القـيـم الأخـلاقـيـة و الـروحـية و من تـم انـتـحار الحضارة البشرية

 أو ليس هذا الذي فجر صحوة الضمير الكوني؟ فاشتعل صارخا ببحة جريحة: إن التجويع، كما الرَّصاص و القنابل في أعين الرضع، ليس إلا إجهازًا على قدسية القيم و شرائع الأخلاق. و أن السكوت تواطؤًا هو إيذان بالهمجية. مدجـجة بـقـانون الأدغـال تـنـشـر سـلـطانها على العالمين

 ها هي الأقلام عبر الكون تهـب تنديدًا بهذه السفالة الوحشية. و متى كان القلم النزيه إلا نفسا من أنفاس الله؟ أو ليس بالقلم علم الله الإنسان ما لم يعلم؟ ها هي القضية الفلسطينية تصبح دين الكون. و ها هم الناس يدخلون في دين الله أفواجا أفواجا

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *